اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

 

في فيلم سيدني بولاك الشهير "Three days of condor " هذا المشهد "يفترض أن تكون عيونكم مثل عيون الشيطان في كل مكان" ، لينتهي المشهد بأن "هناك دوماً من يستطيع أن يفقأ عيون الشيطان". لطالما فاخر قادة "الموساد" بأنهم مثلما هم موجودون في جدران القصور موجودون في زوايا الأزقة ...

لهذا نسأل كيف قتل صالح العاروري الذي تطارده الاستخبارات "الاسرائيلية" والاستخبارات الأميركية، وربما الاستخبارات الأوروبية؟ الواضح أن ثمة ثغرة ـ أو ثغرات ـ دخل منها القتلة ليقضوا على واحد من كبار رجال المقاومة ان في مجال التخطيط، أو في المجال العملاني. الاغتيال ـ الفجيعة هو أيضاً الاغتيال ـ الفضيحة.

ابان الجولة الأخيرة من الصدامات الدموية في مخيم عين الحلوة، قال لي قيادي في أحد الفصائل "قد تجد هنا كل أجهزة الاستخبارات في العالم . ولا يسعني الا أن أؤكد بأن "الموساد" الذي لا بد أن يكون موجوداً في المخيم، يعرف ما في داخله أكثر مما نعرف نحن". ربما كانت مشكلتنا أن التخلخل يضرب حتى البنية الأخلاقية والسيكولوجية في مجتمعاتنا، فيما بدا أن اختراق المجتمع "الاسرائيلي" من الناحية الاستخباراتية، وبالرغم من التصدعات السياسية الهائلة، أكثر من أن يكون مستحيلاً، وهو ما ظهر على مدى تلك العقود الطويلة من الصراع .

المكتب في مبنى سكني في الضاحية الجنوبية لبيروت، التي قطعاً ليست بالضاحية المقدسة، وان كانت غالبية قاطنيها تتمتع بمناعة أخلاقية تكاد تكون استثنائية، وتحول دون أي جهة معادية والوصول اليها. ومثلما توجد العيون "الاسرائيلية" في كل مكان من الأراضي اللبنانية، من الطبيعي أن تكون أيضاً في الضاحية ككوكتيل بشري، ليتم الاغتيال بتلك الدقة المثيرة (حقاً المثيرة)، والتي تجعلنا أكثر حذرأ وأكثر فاعلية، في التصدي للامكانات الالكترونية لدى العدو.

ولكن كم هي الخناجر العربية التي تنغرز في ظهر المقاومة، أكانت لبنانية أم فلسطينية، في ظل تخلخل سوسيولوجي عربي عام، دون أن يبقى خفياً التنسيق بل والتعاون بين أجهزة عربية وأجهزة "اسرائيلية"، لضرب أي ظاهرة ترفض أن تكون رهينة بين أنياب الضباع في "اسرائيل" وغير "اسرائيل".

الاغتيال على أرض الضاحية يعني ما يعنيه من أكثر من زاوية . قيادة المقاومة تدرك ذلك بمنتهى الدقة، كما أنها خبيرة في طريقة التعامل مع الرؤوس المجنونة .

مرة أخرى، الأجهزة الأمنية اللبنانية أثبتت تميزها في الرصد والأداء، ما اكسبها سمعة عالمية مترامية . لكن المشكلة ـ المشكلة البنيوية ـ تبقى في التشققات السياسية والطائفية داخل المجتمع اللبناني (أم المجتمعات اللبنانية؟)، ما يفتح أكثر من باب أمام تسلل أجهزة الاستخبارات على أنواعها الى العمق السياسي والعمق الطائفي للبلاد، وحيث يمضي الساسة بالمكيافيلية الى حدودها القصوى.

ما حدث في الضاحية مساء الثلاثاء، يظهر أن باستطاعة المسيّرات "الاسرائيلية" الدخول، ولو من ثقب الباب، الى غرف نوم غالبية القادة السياسيين، ولكن كيف لها أن تصل في المكان اياه وفي الوقت اياه الى العاروري، وهو يعلم أن "الاسرائيليين" والأميركيين وضعوا رأسه على حد السكين، ليتبين أكثر فأكثر مدى هشاشة وخطورة الوضع اللبناني، حين تكون الدولة مقطعة الأوصال وعارية تماما أمام ذلك النوع من البرابرة .

بكل معنى الكلمة، المقاومة الفلسطينية فقدت، ودون أن تعنينا الهوية الايديولوجية للرجل، دماغاً فذاً ودماغاً استثنائياً، قدم الكثير من حياته ان في السجون "الاسرائيلية" (15 عاماً) أو في الخنادق، كما في غرف العمليات . واذ تأكد دوره في الاعداد لعملية "طوفان الأقصى"، كان على وشك تفجير الضفة الغربية كلها في وجه الاحتلال ..

هل صحيح ما قاله لنا قيادي فلسطيني من أن العاروري يمكن أن يكون طعن من بيت أبيه؟ بالتأكيد "الموساد" اخترق الكثير من الفصائل. رجل ينبغي ألاّ تصل اليه أي يد، وصلت اليه اليد "الاسرائيلية" بأسهل الطرق. من المسؤول، وكيف، وكيف، وكيف؟

هل قتلته اللامبالاة، أم قتلته الثقة المفرطة بمن حوله ليتحرك على ذلك النحو، حين كانت الأشعة ما تحت الحمراء، والعيون ما فوق الحمراء، ترصد حتى دبيب قدميه؟ لن ندخل في التفاصيل (استخدام الأجهزة الخلوية مثالاً...) . لكن الرجل الذي يساوي آلاف الرجال سقط حيثما وحينما كان يفترض ألاّ يسقط ...


الأكثر قراءة

الضفة الغربيّة... إن انفجرت