اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

يُعد تحمض المحيطات أحد أهم القضايا البيئية التي تواجهنا اليوم، ينتج من امتصاص المحيطات لكميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى زيادة حموضة مياهه.

لم تعد تحمض المحيطات قضية مستقبلية أو مشكلة بعيدة المنال، بل هي واقع آخذ بالتفاقم يلقي بظلاله القاتمة علينا الآن. مع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المتصاعدة كالسهم، تمتص المحيطات ثاني أكسيد الكربون الزائد، فتزداد حموضتها بمعدل غير مسبوق منذ 300 مليون سنة. فهذه ليست مجرد زيادة بضع نقاط في مقياس الحموضة، بل تحول عنيف في بيئة كانت مهد الحياة قبل أن تصبح جرحًا ينزف ببطء.

كارثة تحمض المحيطات

يعتمد أكثر من ثلاثة مليارات فرد على موارد المحيطات في معيشتهم، والتي تساهم أيضًا بشكل كبير في إنتاج الأوكسيجين وتعمل كمخزن للغازات الدفيئة، مما يخفف من تأثيرها في الغلاف الجوي. تؤدي المحيطات دورًا حاسمًا في تنظيم مناخ الأرض وأنماط الطقس، ولا غنى عنها في دورة الكربون العالمية، فباختصار هي تمثل كنزًا طبيعيًا لا يقدر بثمن. ومع ذلك، فإن ممارسات الإنسان غيّرت بشكل جذري التركيبة الكيميائية للمحيطات، فمنذ أواخر الثمانينات، ارتفعت حموضة المياه السطحية بنسبة 95%.

تمتص المحيطات ما يقرب من 30% من ثاني أكسيد الكربون الناتج من الإنسان، مما يؤدي إلى انخفاض الرقم الهيدروجيني لمياه البحر، وهو ما يسمى بتحمض المحيطات. وتتفاقم هذه المشكلة بسبب مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي التي أصبحت الآن أعلى بنسبة 50% عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية.

يعتبر تحمض المحيطات بمثابة انخفاض في درجة الحموضة  لمياه المحيطات على مدى عقود أو أكثر، ناتج بشكل رئيسي من امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

عندما تزداد كمية ثاني أكسيد الكربون في المحيطات ويصبح مستوى الأس الهيدروجيني أكثر حمضية، فإنه يجعل من الصعب على الحياة البحرية البقاء على قيد الحياة، مما يجعل من الصعب عليها أن تنمو أصدافها وهياكلها العظمية الواقية. تمتد عواقب تحمض المحيطات إلى امتداد السلسلة الغذائية وقد تؤثر بشدة في الأنشطة الاقتصادية مثل مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية وحتى السياحة ، ويمكن أن يكون لتحمض المحيطات تأثير سلبي في الأمن الغذائي وسبل العيش للأشخاص الذين يعتمدون على المحيطات والممرات المائية للحصول على الغذاء والوظائف.

إنّ هذا التحمض يُعد تهديداً خطراً على النظم البيئية البحرية والحياة البحرية. فتحمض المحيطات يمكن أن يؤثر في الكائنات الحية الدقيقة مثل الأحياء الدقيقة والشعاب المرجانية والكائنات البحرية الأخرى. كما أنه يمكن  للحمضية المتزايدة أن تؤثر في قدرة الكائنات البحرية على بناء الهياكل الكلسية، مثل الأصداف والشعاب المرجانية، وهو أمر ضروري للكائنات البحرية العديدة.

فضلاً عن التراجع في نمو الشعاب المرجانية والتأثيرات على الأنواع التي تعتمد على الكالسيوم في هياكلها الخارجية. كما يمكن أن يؤثر أيضا على أسماك وكائنات بحرية أخرى من خلال تأثيره في الطعام والأوكسيجين المتاح لها.

أسباب التحمض

إلى ذلك،  يُعتبر ثاني أكسيد الكربون، ذلك الغاز الخفي المنبعث من المصانع والمناجم والسيارات، هو السبب الرئيس لتحمض المحيطات، فهذا الغاز يدخل في تفاعلٍ كيميائيٍ خطر جداً يتحول فيه إلى حمض الكربونيك، ليُصبغ مياه المحيط بمادة قاتمة بسبب الحمضية.

هذا ولا يقف أثر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عند تحمض المحيطات وحدها، بل يتشابك مع ظاهرة الاحتباس الحراري في دورةٍ مفرغةٍ مُدمّرة. فالمحيطات، بقدرتها على امتصاص الحرارة، تخفف وطأة الاحتباس الحراري علينا مؤقتًا. لكن مع تسارع امتصاص ثاني أكسيد الكربون، ترتفع حموضة مياهها وتقل قدرتها على تخزين الحرارة، ما يؤدي بدوره إلى تسريع الاحتباس الحراري، لتزداد معها انبعاثات الغازات الدفيئة، وفي النهاية، تزداد معاناة المحيطات.

إلى جانب هيمنة ثاني أكسيد الكربون، تتجلّى أسباب أخرى لتعميق أزمة تحمض المحيطات. فالتلوث الناتج عن الأسمدة والمبيدات الحشرية الزراعية يرفع نسبة النيتروجين والفوسفور في المحيطات، مما يؤدي إلى تزهير الطحالب الضارة واستنزاف الأوكسيجين من المياه. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي استنزاف الغابات وفقدان الغطاء النباتي إلى انخفاض امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، ما يزيد الضغط على المحيطات.

أخيراً، لم يعد تحمض المحيطات قضية بيئية فحسب، بل قضية أمن غذائي، وقضية تنمية مستدامة، وقضية بشرية بكل ما تحمل الكلمة من معنى. فهل تتحرك الدول بخطوات حاسمة نحو الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وحماية رئة كوكبنا؟


الأكثر قراءة

«اسرائيل» تواصل التهويل: انسحاب حزب الله او الحرب الشاملة تعديلات بالشكل لا بمضمون «الورقة الفرنسية» لا بروفيه وامتحان موحد لـ«الثانوية»