اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

من بين أهدافها  العامة تغيّير أو تعديل أو تحسين نمط الحياة: هي عملية تطوير الذات أو التنمية الذاتية كما هو متعارف عليها، وبمفهومها المتداول، تتكوّن التنمية الذاتية أو تطوير الذات من الأنشطة التي تعمل على تطوير قدرات الشخص وإمكاناته.

وتنطبق هذه العملية على كلّ الناس بمختلف أجناسهم وأعمارهم ومستواهم الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وتخصّصهم العلمي والمهني، وتشمل إلى جانب الأفراد المؤسسات أيضًا، وقد تحدث على مدار حياة الفرد أو قد تقتصر على مرحلة محدّدة، بمعنى أنّها قد تبدأ في أيّ مرحلة من مراحل حياتنا، وتصح هنا مقولة: "أن تصل متأخرا خير من ألا تصل أبدا"، بشرط ألا يكون التأخر طوعيا، وأن يكون الهدف قابلا للاستثمار المعنوي قبل المادي، ولا بأس بالاثنين معا، وإلا سيكون عناء السفر في رحلة تطوير الذات عقيما.

ولا ضير في أن نتطرّق قليلا -للتوضيح- إلى مفهوم التنمية البشرية، وهو كما يتداول: مصطلح عام تستخدمه الأمم المتحدة لترمز الى طيف شاسع من المتطلّبات المطلوب تحقيقها من قبل الحكومات للنهوض بمستوى البشر العام في العالم ككل، على أنّ التنمية الذاتية احدى ركائزها.

في هذه السطور نخصّص الحديث، حول تطوير الذات الفردي باعتباره نقطة الانطلاق للتطوير الأسري والمجتمعي والتعليمي والمهني لاحقا، وللتنمية البشرية عموما، على أنّ رحلة تطوير الذات ستعود على صاحبها بالمنفعة بشتّى الأحوال.

وبالعودة إلى مصطلح تطوير أو تنمية الذات، قد يخلط البعض بينه وبين مصطلحات تضخيم الأنا أو الأنانية أو الفردانية باعتبار الذات هي محور هذه العملية مثلهم، لكن هذا لا يتوخّى الدقة، فالفرق شاسع وواسع، ببساطة لأنّ التطور يعني التعلّم والتدرّب لاكتساب المعلومات والمهارات، وزيادة الوعي عند الفرد، والوصول إلى رؤية واضحة وشاملة لحياته، وفهم أفضل لمن يعنيه أمرهم أو يتعامل معهم، أي الخروج من دائرة "الأنا" إلى دائرة الـ"نحن"، وهذا لا يتوافر إطلاقا في المصطلحات المذكورة.

في هذا السياق، عرّفت المعالجة النفسية ومدرّبة التنمية الذاتية سكينة إبراهيم، ما سمّته بـ "المساعدة الذاتية"، أو تطوير الذات والعديد من المصطلحات التي رافقت هذا المفهوم، - والذي يلقى رواجاً كبيراً في عالم التنمية البشرية والتدريب بمختلف أشكاله ومجالاته العلمية والفكرية والاجتماعية والنفسية-، بأنّه زيادة الوعي الذاتي بأنفسنا على أساس نفسي متطوّر ومعتمد على الكثير من المجالات والتقنيات والعلوم ذات المراجع المعروفة، وذلك بهدف الإرتقاء بالشخصية الإنسانية نحو الأعلى بمختلف جوانبها المهنية والصحية والإجتماعية والروحية والأسرية، حتى يرتقي المجتمع نحو الأفضل.

وأشارت إلى أنّ مفهوم تطوير الذات ترافق مع ما عرف بدستور "جورج كامب" الأخلاقي الذي يدعو إلى تعلّم كيفية ضبط النفس البشرية وتعلّم مهارات المسؤولية الشخصية، وارتبط هذا المفهوم برغبة الإنسان بالتطور المستمر للوصول إلى أفضل نسخة عن نفسه ما يحقق له تقديراً ذاتياً أعلى وبالتالي يحصل على "تحقيق الذات" الذي بدوره يساعده للوصول إلى الإبداع والإبتكار اللذين يعتبران من الحاجات الأسمى في "هرم ماسلو للحاجات الإنسانية".

وأكّدت إبراهيم على تنوّع أهداف هذا المفهوم، معتبرة أنّ تطوير الذات هو قدرة الإنسان من خلال التدريب على معرفة قدراته ونقاط ضعفه وقوته وهواياته وشغفه والعمل على الاكتساب من الإيجابي منها في تحسين حياته للأفضل والتخلص أو تعديل ما هو سلبي ومعالجة النقص كي يتخلص من تلك التحديات التي تعيق تقدمه.

ولكن أنّى وكيف للإنسان أن يطوّر ذاته، وهل يستطيع تحقيق ذلك، مهما عاكسته الظروف؟

شدّدت إبراهيم بأنّ عملية تطوير الذات تتطلب من الفرد وجود رغبة حقيقية بالتغيير ومواجهة كلّ التحديات والمشكلات التي حدثت في مراحل حياته وأدّت إلى إعاقة تطوره، وهذا بدوره ما يتوجب عليه أن يتمتع بنقاط أساسية مهمة نذكر منها:

ـ عقلية النمو التي تهدف إلى تطوير مهارات وقدرات الفرد وتحسينها للأفضل.

ـ تطوير الرؤية من خلال تحديث القدرات الفكرية والعملية اتجاه أهدافه.

ـ تحديد مقاييس الأداء التي من خلالها يدرك نسبة تحقيق النجاح في أعماله.

ـ التقييم الذاتي ووضع معايير وقيم تساعده في تطوير عقليته وتحقيق أهدافه.

ـ التصميم والإرادة لتحقيق ما يصبو إليه.

أمّا لماذا تكمن أهمية تطوير الذات؟

أجابت أنّ هذه العملية مهمة لتعزيز الثقة بالنفس، وتنمية مهارات الوعي الذاتي التي تساعد الفرد على تحقيق تواصل فعّال مع نفسه ومع الآخرين، والتخلّص من عادات سلبية كانت تشكل معوّقات في نمو وتطوّر شخصيته، وأيضاً في هذه العملية نمو لأهداف جديدة لديه ومهارات وإهتمامات من شأنها أن تخلق في داخله عالماً مليئاً بالأفكار والمشاعر الإيجابية، ما يعزّز السلام الداخلي لديه وبالتالي صحة نفسية وفكرية أفضل، وأشارت إلى أنّ هذا الأمر لا يحدث بشكل فجائي بل يحدث من احترام الفرد لنفسه ولفكرة وجوده في الحياة، وأنّه كلّما سعى في تطوير ذاته والعناية بها إزدادت قيمته الوجودية وتحسّنت صورته أمام نفسه وأمام البيئة المجتمعية.

ويبقى سؤال يشغل بال كلّ من يسعى لتطوير ذاته: هل من عمر محدّد لبدء رحلة تطوير الذات أو هل يقف العمر المتقدّم حاجزا أمامه؟

أكّدت إبراهيم أنّ لا وقتا زمنيا محدّدا للبدء بعملية تطوير الذات، والكثير في عصرنا الحالي يسعون لتربية أطفالهم وتطوير ذواتهم، بغية تعزيز تقدير ذاتهم وتعزيز مكانتهم الإجتماعية في البيئة الأسرية، وهذا ما نشهد إنعكاسه في تطور المجتمع نحو الأفضل، والخير أن نبدأ وإن كنّا في مرحلة عمرية متقدّمة، ولكن يجب الانتباه إلى من نلجأ إليه في تحقيق هذا الهدف، والمقصود بذلك اللجوء إلى أصحاب الخبرة والمتخصّصين في المجالات التدريبيّة والتوجيه الشخصي، وأيضًا مطالعة الكتب ذات المرجعية الفكرية الهادفة لتنمية العقليات والسلوكيات التي تساعد على التعامل مع مختلف المشاكل والصعوبات في الحياة اليومية بطرق سليمة وناجحة دون أن يتسبّب لنا ذلك بأذى نفسي أو جسدي، ومن هذه الكتب: "فنّ اللامبالاة"، "نظرية الفستق"، "السماح بالرحيل"، "العادات السبع"، "قوة الآن"، وغيرها من الكتب العالمية التي توجد بمختلف اللّغات.

خلاصة القول.. يمكن اعتبار تطوير الذات حاجة أساسيّة في عصرنا الحالي، ضمن المجتمع المحلي أو العالمي الذي يتطوّر ويتغيّر باستمرار، خصوصا في عصر التكنولوجيا وغزارة المعلومات في شتّى المجالات، بالإشارة إلى أنّ تغيير الذات لا يمتّ بصلة إطلاقا لفكرة تغيير القيم والمبادىء الأساسية لدى الفرد سواء دينية أو مدنية إن صح التعبير، فهذه العملية تعني اكتشاف الذات وقدراتها، تعزيز نقاط قوتها والتخلّص من نقاط ضعفها أو إدارتها بحكمة، وكلّ ذلك لأجل الرقي بها نحو الأفضل، وتاليا تعميم هذه التجربة في محيط "المتطوّر" القريب والبعيد، بهدف التنمية المجتمعية، وإلّا لن تصب هذه الرحلة في خانة التنمية الإيجابية إطلاقا!


الأكثر قراءة

«اسرائيل» تواصل التهويل: انسحاب حزب الله او الحرب الشاملة تعديلات بالشكل لا بمضمون «الورقة الفرنسية» لا بروفيه وامتحان موحد لـ«الثانوية»