اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

تصنيف الودائع بين مُؤهّلة وغير مُؤهّلة لا يُنصف المودعين

نُشر في الإعلام المسودّة النهائية (؟) لمشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي. ويهدف المشروع بحسب كُتّابه إلى: «العمل على حماية الودائع كأولوية، تعزيز استقرار النظام المالي والمصرفي، ضمان استمرارية الوظائف الأساسية للمصرف في خدمة الإقتصاد، والحدّ من استخدام الأموال العامة في عملية إعادة الهيكلة لتأمين استدامة الدين العام». في هذا المقال سنركزّ على بعض الملاحظات التي تطال المادتين 46 (مشروعية الودائع بالعملات الأجنبية) و47 (الودائع المؤهّلة والودائع غير المؤهّلة لدى المصارف اللبنانية) نظرًا إلى محدودية المساحة المتاحة للمقال.

 المادّة 46: مشروعية الودائع بالعملات الأجنبية 

نصت المادة 46 من المشروع على نقطتين: الأولى وهي تحديث نموذج «إعرف عميلك» أو ما يعرف بالـ KYC، والثانية إعادة فائض الأموال. ويطلب مشروع القانون في الفقرة الأولى من المصارف الطلب بدورها من أصحاب الودائع بالعملات الأجنبية التي تفوق قيمتها الـ 500 ألف دولار أميركي، أو ما يُعادلها بالعملات الأجنبية الأخرى، أن يتقدّموا من المصرف بتصريح يُضاف إلى تحديث نموذج «إعرف عميلك»، ويُرفق به مُستندات تُثبت مشروعية ومصدر الأموال خلال ثلاثة أشهر من تاريخ نشر القانون، تحت طائلة إخطار هيئة التحقيق الخاصة. ومن بين المستندات المطلوب تأمينها نذكر:

- إفادة صادرة عن وزارة المالية اللبنانية، تبيّن بوضوح رقم وتاريخ تسجيلهم في الوزارة، كما والأرقام المجمّعة للدخل المصرّح عنه من عام 2015 حتى 2023.

- التصريح المخصوص عن رسوم الإنتقال المسدّدة، نتيجة لإنتقال أموال منقولة أو غير منقولة عند الإقتضاء.

- بالنسبة للأشخاص المُقيمين ضريبيًا في الخارج، إفادة صادرة عن وزارة المالية في بلد الإقامة، تبيّن رقمهم الضريبي والتصريح عن حسابه المصرفي وعائداته في لبنان.

- بالنسبة للأشخاص المعنويين والشركات والكيانات، إفادة صادرة عن وزارة المالية المخصوصة، تبيّن رقم وتاريخ تسجيلهم في الوزارة ونظامية تصاريحهم.

- بالنسبة للأشخاص الذين لهم سلطة مباشرة أو غير مباشرة على قرارات المصرف ومجلس إدارته، بما فيهم رئيس وأعضاء المجلس والإدارة العليا والمساهمين الذين تفوق حصتّهم 5% من رأس المال، عليهم أن يُصرّحوا بجميع ما كانوا يملكون من أموال منقولة في لبنان أو في الخارج بتاريخ التصريح وقبله بخمس سنوات.

- بالنسبة للموظّفين العموميين الذي تتعدّى حساباتهم الـ 300 ألف دولار أميركي أو ما يُعادلها بالعملات الأجنبية، عليهم التقدّم من المصرف بإفادة صادرة عن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، تُثبت أصولية التصريح الأول والدوري، وتُبيّن القيم الإجمالية للذمم المالية والمصالح المُصرّح عنها.

أمّا في الفقرة الثانية أي إعادة فائض الأموال، فهي تفرض على أي شخص أو كيان قانوني ساهم أو لا يزال يُساهم في رأسمال يفوق الـ 5% ، أو شغل أو لا يزال يشغّل لدى أي من المصارف القائمة منذ شهر تمّوز 2016 منصب رئيس أو عضو مجلس إدارة أو مُدير تنفيذي في الإدارة العليا، إعادة فائض الأموال التي حصلوا عليها مباشرة أو غير مباشرة وحولت إلى الخارج (عوائد أرباح، رواتب، مكافأت...)، إذا تعدّت نسبتها مقارنة مع إجمالي أصول المصرف المعني متوسّط النسب المدفوعة في القطاع المصرفي. أيضًا يتوجّب عليّهم إعادة الأموال التي حوّلوها من حساباتهم بدءًا من 17/10/2019 إذا تعدّى المبلغ المحوّل الـ 100 ألف دولار أميركي محسوم منها المبالغ المبرّرة.

 تعقيدات تقنية هائلة 

المادّة الآنفة الذكر، تُشكّل تحديا كبير على الصعيدين التقني والتنفيذي. فعلى الصعيد التقني، هناك كمّ هائل من المعلومات عن كل عميل (سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا)، والتي من الواجب التعامل معها إنفراديًا كلٌ على حدة، بحكم إختلاف ظروف العملاء. وبالتالي هناك حاجة لموارد بشرية ونظامية (IT) لإستخراج المعلومات والتدقيق فيها، وهو أمر يجب التحقّق من قدرة المصارف على القيام به في فترة زمنية مقبولة. وهذا التحدّي سينسحب حكمًا على الهيئة المُختصة بإعادة الهيكلة والجهاز التابع لها. فهل سيكون لدى الهيئة موارد كافية لمواجهة هذا الكمّ من المعلومات في فترة زمنية مقبولة؟

أيضًا من التحديات التقنية، قدرة العملاء على الإستحصال على المستندات المطلوبة في فترات زمنية قصيرة، تدخل ضمن المهل الزمنية الموضوعة في مشروع القانون، سواء كانت هذه المستندات داخلية أو من الخارج. لذا من المنطقي النظر بواقعية إلى المهل الزمنية المعطاة ضمن هذا القانون.

على الصعيد التنفيذي، تُشكّل الإستنسابية في التعاطي مع الحالات التحدي الأول أمام تنفيذ هذه المادة. وبالتالي من هي الجهة التي ستراقب عمل كل الأفرقاء؟ وهل هناك من رقابة على عملية التصنيف والإحتساب؟

الودائع المؤهّلة وغير المؤهّلة 

المادة 47 تُميّز بين نوعين من الودائع: الودائع المؤهّلة والودائع غير المؤهّلة. وهذه الأخيرة يتمّ تصنيفها على أساس أنها تلك الأموال التي حُوّلت إلى عملات أجنبية بعد تاريخ 17 تشرين الأول 2019 ، وفقًا لسعر صرف تعامل مصرف لبنان قبل تاريخ 2 شباط 2024 ، وإستطرادًا كل العمليات التي يكون مصدرها أموالًا غير مؤهّلة. وهذا الأمر يُثير غضب العديد من صغار وكبار المودعين، بحكم أن العمليات كلها تمّت بموافقة من قبل السلطات النقدية. فعلى سبيل المثال، هناك موظّفون في القطاع الخاص قدّموا إستقالاتهم من وظائفهم بعد إندلاع الأزمة، بناءً على إتفاق جرى بين الموظف ورب العمل، حيث كان من أبرز بنود الإتفاق سحب تعويض الضمان وتحويله إلى دولار أميركي على سعر 1500 ليرة لبنانية لكل دولار أميركي. فأين العدل في إحتساب هذا التعويض من الأموال غير المؤهّلة؟ أيضًا هناك العديد من موظّفي الدولة الذين تقاعدوا بعد تشرين الأول 2019 وسحبوا تعويضهم وحوّله إلى دولار أميركي. فما ذنبهم أنهم أرادوا المحافظة على قيمة تعويضهم؟

أيضًا، هناك من المودعين من لا دخل له أو موارد إلا تلك التي كانت في حسابه بالليرة اللبنانية، وبالتالي فإن تحويلها إلى دولار أميركي جاء بناءً على مخاوف مُحقّة حول مصير العملة الوطنية. فلماذا يتم إحتسابها على أنها غير مُؤهّلة.

هذا الأمر قد يدفع العديد من المودعين إلى الضغط على نوابهم، بهدف سحب هذه المادة وهو ما قد يُعرقل إقرار القانون.

 إحتساب المبلغ المحمي 

ورد في المادة 49 أن إحتساب المبلغ المحمي من الودائع المؤهّلة و غير المؤهّلة، يتم بعد أن يتمّ تنزيل قيمة السحوبات النقدية بالعملة الأجنبية، والتحاويل إلى الخارج والمبالغ المُستعملة في الخارج بواسطة البطاقات المصرفية، وذلك بعد تاريخ 17/10/2019 (من غير الأموال الجديدة). أيضًا يتم تنزيل القروض والتسليفات بالعملة الأجنبية التي قام المودع بتسديدها بعد 17/10/2019 بالليرة اللبنانية، وفقًا لسعر صرف تعامل مصرف لبنان مع المصارف، بالإضافة إلى مجموع الأموال المقبوضة لدى المصرف المعني، عملًا بأحكام القرار الأساسي رقم 13335 (ودائع مؤهّلة) والقرار الأساسي رقم 13611 (ودائع غير مؤهّلة).

هذا يعني أن صحن المستفيدين من المبالغ المحمية (سواء كانت الودائع مؤهّلة أو غير مؤهّلة) سيتضاءل إلى حدوده الدنيا، بحكم أن العديد من الأفراد سدّوا قروضهم بالليرة اللبنانية، بناءً على تعاميم صادرة عن مصرف لبنان . في المقابل، لماذا لا يؤخذ بعين الإعتبار تعويض المودعين الذين تركوا حساباتهم بالليرة اللبنانية؟ لماذا يتمّ محاسبتهم على أساس القروض بالعملة الصعبة التي دُفعت بالليرة اللبنانية، ولا يتم إنصافهم بحساباتهم التي بقيت بالليرة اللبنانية؟

في الختام، تُشير المعلومات إلى أن مشروع القانون سيتمّ إقراره في مجلس الوزراء في صيغته الحالية. ويرى البعض في ذلك رمي كرة النار على المجلس النيابي، كما حصل في مشروع موازنة العام 2024. فهل سيُقرّ القانون وبأية صيغة؟ الأيام والأسابيع المقبلة كفيلة بالردّ على هذا السؤال.

الأكثر قراءة

اكثر من حجمه