اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

بعيدا عن النقاش الدائر حول مدى تضمنها إصلاحات إقتصادية شاملة من عدمه، وقعت موزانة العام 2024 كالصاعقة على رؤوس اللبنانيين عموما وموظفي القطاع العام خصوصا، بما تحمله من ضرائب، فالدولة خلال سنوات الأزمة، تحاول منع انهيار مؤسساتها على حساب المواطن، من خلال ما تصدره من قرارات لزيادة حجم إيراداتها من دون خطط للنهوض بقطاعاتها ومن دون خدمات مقابلة تليق بمواطنيها الذين بشكل أو بآخر يمكن أن يساهموا في نهوض هذه القطاعات وضمان إستمرارها.

وإن توقفنا عند أحد القطاعات الحسّاسة، وهو قطاع التعليم الرسمي، والذي يضم شريحة كبرى من الأساتذة والطلاب، نجد أنّ صمود هذا القطاع مرهون بالحفاظ على ما تبقى من معلّميه، وإلا سيكون الإنهيار مصيره.

وفي المستجدات، لم تأت رياح موازنة العام 2024، كما تشتهي سفن أساتذة التعليم الرسمي المدرسي، فهي لم تكتفِ بعدم تصحيح رواتبهم الضئيلة التي حصلوا عليها بعد "شقّ الأنفس"، وبعد مطالبات وتوسلات طيلة سنوات الأزمة فحسب، بل ستمسّ بها وذلك من خلال سلّة الضرائب فيها.

ولهذا السبب وغيره، أطلقت روابط التعليم الرسمي (ثانوي، مهني، أساسي) صرخة جديدة، و"طالبت مجلس الوزراء، أن تُصحّح الرواتب بطريقة عادلة... ولوحت بالتصعيد في حال التلكؤ..."، وممّا ورد في بيانها أنّ راتب المعلم في التعليم الرسمي-بمعدّل وسطي على تسعة أشهر- يتراوح بين 450 و 600 دولار شهريًّا شتويًّا، أما في الصيف، فيتراوح بين 150 و200 دولار فقط، وتساءلت: " كيف تستطيع عائلة مؤلّفة من ٤ أفراد أن تعتاش من هذا المبلغ الزهيد أمام الضرائب التي تفوق الـ ٦٠ ضعفًا؟".

فماذا يشمل قطاع التعليم الرسمي المدرسي، وكم عدد أساتذته؟

أوضح رئيس رابطة معلمي التعليم الاساسي في لبنان الأستاذ حسين جواد لـ"الديار"، أنّ التعليم الرسمي عبارة عن 3 قطاعات: التعليم المهني، الثانوي والأساسي، ويضمّ كل قطاع منها معلمين من الملاك، ومعلمين متعاقدين لم يدخلوا الملاك نتيجة إيقاف التوظيف نهائيا منذ العام 2017، إضافة إلى متعاقدين قدماء منذ سنة 2010 خصوصا في التعليم الأساسي، وهؤلاء لم يتاح لهم الدخول إلى ملاك التعليم، لعدم إجراء دورات لإدخال دم جديد إلى التعليم الرسمي، أما في التعليم الثانوي فقد أجريت دورة عام 2016، ودخل مجموعة من الأساتذة في العام 2017، فيما لم ينضم أحد إلى الملاك في التعليم الأساسي.

إلى ذلك، يضم التعليم المهني بحدود 1500 أستاذ في الملاك، وبحدود 15 ألف أستاذ متعاقد، وفي التعليم الثانوي نحو 7000 أستاذ في الملاك وبحدود 3000 متعاقد، فيما 600 أو 620 أستاذ يقبضون من الدول المانحة ويسمّون " المستعان بهم" على نفقة الدول المانحة، في حين يضم التعليم الأساسي بين 8000 و 9000 آلاف أستاذ، ونحو 1000 منهم تقريبا، ملتحق بإدارات الدولة كوزارة التربية والمناطق التربوية ومركز تعاونية الموظفين، وبحدود 8000 بين مدراء ونظّار ومعلّمين، وهناك 10 آلاف متعاقد، ونحو 2800 أستاذ ومستعان بهم على نفقة الدول المانحة، فيما القسم الأخير هم متعاقدون على نفقة صنددوق المدرسة أو صندوق الأهل وعددهم نحو 4500 أستاذ.

وحدة المعاناة

المعاناة التي يعيشها كل معلّم في كل القطاعات واحدة، وتتمثّل بتدني قيمة الأجور، بحسب جواد، فالراتب اليوم عبارة عن 7 رواتب تعادل قيمتها 200 دولار، مفصّلة كالآتي: راتب أساسي يترواح بين مليونين و500 ألف ليرة في التعليم الأساسي و3 مليون ليرة في التعليم الثانوي أو المهني، راتبان عبارة عن مساعدة، 4 رواتب مشروطة بحضور 14 يوما، فإن حضر الأستاذ 13 يوما(مثلا) لا يقبضها، ويقبض 3 رواتب فقط، وكونها مشروطة يتأمن الحضور 14 يوما، وبهذا يقبض المعلمون ما يعادل 210 دولارات، إضافة الى بدل النقل الذي يترواح بين 60 و70 دولارا، ليصبح مجموع ما يقبضه الأستاذ: 260 أو 270 أو 280 دولارا.

كيف وصل الراتب إلى 600 دولار؟

تطرّق جواد في إجابته إلى الجهود التي بُذلت لتحصيل أبسط حقوق المعلّمين في هذا القطاع، فالصرخة التي أطلقتها الروابط مطلع العام الدراسي الحالي، اشترطت للبدء في التعليم تأمين الحدّ الأدنى المتمثّل بـ 600 دولار شهريا، ونتيجة تجاوب وزير التربية معنا بالضغط على الحكومة، وتواصلنا مع عدد من النواب والوزراء، أُقرّ مبلغ 300 دولار كبدل إنتاجية، وأيضًا مشروطة بالحضور، لتضاف إلى 270 أو 280 أو 300 دولارا (الثانوي)، فأصبح يتقاضى الأستاذ بذلك 600 دولار في الشهر.

وحول سبب اعتراض الروابط على موازنة العام 2024، ومطالبهم منها، لفت إلى أنّ المشكلة اليوم هي أنّ هذه المستحقات أصبحت أمام مقصلة الموازنة، بحيث لن يعود مبلغ 600 دولار كافيا لتغطية احتياجات الأستاذ، فالعائلة المكوّنة من 4 أفراد (أم وأب وولدان) تحتاج إلى 730 دولارا على الأقل وفق دراسة جديدة، ما يعني أنّنا سنقع بعجز يقارب 130 دولارا عن الدراسة السابقة، وكنّا نعوّل أن تنصف الموازنة الجديدة المعلمين، ولكن أقرت من دون تصحيح الأجور، وتضمنت مجموعة كبيرة من الضرائب تطالنا بشكل مباشر، وسنلمس هذا الأمر وسيعلو الصراخ أكثر، نتيجة إرهاق الضرائب، وتآكل رواتبنا وما نحصل عليه اعتبارا من الأسبوع القادم، وقد اعتقدنا أنّ مبلغ 600 دولار، سيساعدنا على إكمال العام الدراسي ولكن يبدو أن هناك أشخاصا في هذه الدولة لا يريدون التعليم الرسمي، ولا أن يكتمل العام الدراسي، وسنضّطر للأسف إلى خطوات تصعيدية للمطالبة بإعادة النظر بالرواتب وتصحيحها.

وعن قيمة الرواتب المنصفة للمعلمين، قال جواد إنّ الأستاذ كان يتقاضى في السابق ما يقارب 2000 دولار، واليوم يجب أن لا يقل راتبه عن 1000 دولار، ولن نقبل بأقلّ من هذا الرقم، وسيكون هناك "كباش" مع كل المسؤولين، في حال لا يريدون تأمين موضوع 1000 دولار للمعلمين، "فمنذ 5 سنوات ومنذ ما يسمى بـ "الثورة" ونحن يؤكل حقنا ونتحمّل كثيرا، ومن تعبنا ولقمة عيالنا قدرنا نمشّي مدراسنا حتى وصلنا الى هذه السنة"، مؤكدا أنّ السلطة لن تلجأ إلى تعديل الموازنة إلّا بالضغط، وبدأنا نحضر أنفسنا لذلك، ومن يتحمّل المسؤولية هو الدولة بكل أركانها وحكومتها ومسؤوليها، موضحا أنّ ما دفعنا لإعلان البيان الأخير هو تجاهل مطالبنا، ولن نقبل إلّا بإدراج كافة المسميات تحت عنوان صلب الراتب، يعني إحتساب ما يقارب 600 دولار كراتب أساسي للأستاذ، إذ من غير المقبول أن لا يتجاوز راتب الأستاذ المتقاعد 140 إلى 150 دولارا، وهو الذي أفنى عمره في التعليم (40 سنة أو أكثر)، فهذا قمة عدم الإنسانية، وستشمل خطواتنا المقبلة المقبلة زيارات للكتل النيابية مجددا ووضعهم أمام الأمر الواقع، محذرا من أنّه إذا إستمرت الأمور على ما هي عليه فهم يدفعونا إلى إقفال المدارس الرسمية، ونعرف أنّ مجموعة كبيرة منهم لديهم مدراسهم الخاصة "مش سألانين عن المدراس الرسمية"، ولكن نراهن على حسّ المسؤولية عند البعض الآخر المؤمن بالوطن وبأنّ المدرسة الرسمية هي مركز ومقرّ أساسي للعيش المشترك بين أبناء لبنان الواحد.

خلاصة القول... خيّبت موازنة هذا العام آمال القطاع العام، وتحديدا قطاع التعليم الرسمي، وما الخطوات التصعيدية للروابط إلّا أوّل الغيث، على أمل أن تمطر سماء الحكومة تعديلات منصفة للمعلمين لإكمال العام الدراسي لطلابهم بأمان، في ظلّ بلد يفتقد الأمان في كل قطاعاته للأسف!


الأكثر قراءة

عرب الطناجر...