اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

أبشع خصالنا أننا سلكنا ثقافة التناقض وأنشأنا جدران الخلافات الورقية وقلنا عنها أنها من اسمنت وطين، وطالبنا بوقاحة الوقحين أننا نريد أن نحيا بين هذه الجدران الخيالية العازلة لكل تفاعل بين أبناء الشعب الواحد.

آخر ابتكارت التمايز والتناقض ثقافة الموت وثقافة الحياة.

جماعة الحضارة الغربية يريدون ثقافة الحياة، وفي شرحهم لهذه الثقافة يركزون على الشورت والسوتيان والسباحة والمطاعم ولا مانع من التنظير للنكاح في الطرقات والأماكن العامة والزواج المثلي وغير ذلك من الحريات الفردية التي تُسقط القيم الانسانية والأخلاقية وتكون من خارج الوجدان القومي.

من معاني ثقافة الحياة قي قوامسيهم، أن تكون حينا مع الحياد، وأن لا تُعادي دولة العدو، وأن تتماهى مع الغرب وتصادق عرب التطبيع، وحينا آخر مع السلام كيفما كان، وأحيانا كثيرة أن تكون مع العدو ضد ثقافة الموت.

ولم يخجل جماعة ثقافة الحياة مطالبة أصجاب ثقافة الموت بنظرهم من التوقف عن الزيارات والاتصالات وأي نوع من الاختلاط أو التلاقي حفاظا على نقاوة العرق والسلالة الراقية وخدش مسيرة التفوق.

هل نحن حقا نعيش بين ثقافتين ثقافة الموت وثقافة الحياة؟ وما هي الحدود الفاصلة بينهما وهل يوجد ممرات تفاعل بينهما.

إذا كانت ثقافة الموت برأيهم هي في خوض المعارك وسقوط الشهداء، كيف يفسرون لنا حصول المعارك في العالم وسقوط القتلى والجرحى والنزوح واللجوء والانتصار والهزيمة، وهل وصل أقطاب العالم الى مراتبهم بغير خوض المعارك والموت من أجل الحياة، وهم، أصحاب هذه النظرية التي يزعمون أنها أعطتهم رتية طبقة راقية، ما خاض أجدادهم المعارك وسقط لهم قتلى، ألم يهاجموا ويدافعوا ويقاتلوا في تاريخهم الحديث جدا، ألم يقتلوا ويُقتلوا في سلسلة من المعارك حصلت في زمن لبنان الكبير، أو أنهم من فصيلة لا تُتهم ولا تُتنقد ومن مخزونها تصدر منظومة القيم ومعادلات العلاقات الانسانية.

لا يمكن لمجتمع واحد أن يحيا ضمن ثقافتين متعارضتين انقطعت شعرة معاوية بينهما، هذا المجتمع غير طبيعي وغير موجود، وإذا صدف وانوجد فهو حكما يسير الى الهلاك، وخاصة إذا تساوت قوى الفعل عند الطرفين. من هنا نؤكد على أن طرح الموضوع ورد من خارج طبيعة العلاقة بين أبناء الشعب الواحد، وهو بغاية محدودة في الزمان والمكان والفعل.

يوجد مصلحة لدولة العدو والجبهة المساندة لها من العرب وغيرهم، تعميق الخلاف بين اللبنانيين حتى إذا ما دقت ساعة البعثرة الجديدة يكون لبنان جاهزا للبعثرة، ومن ثم الاندثار ففي خريطة ما بعد غزة اذا نجح العدو سيُساق لبنان الى المقصلة، وما يؤكد ذلك الحديث عن الفدرلة بعد الحديث عن ثقافة الموت وثقافة الحياة.

أن الحديث عن ثقافة الموت وثقافة الحياة غريب على ثقافة بلادنا ولا يندرج في سياق تطور الثقافة السورية، ونتيجة للقهقرة الثقافية التي تعيشها امتنا أصبح لهذه الثقافة مساحة في عقول أبناء شعبنا، ومما زاد في عهر هذه الثقافة هو غياب الثقافة القومية التي هي المخرج الحقيقي لهذا التناقض الظاهري.

يتحدث جماعة ثقافة الحياة عن جماعة ثقافة الموت كأنهم لا يعرفون الحياة ولا الفرح ولا يعرفون معنى السعادة، ولا يعرفون كيف يعيشون، كأنهم كما قال أحد الذين زاروا ممقبرة فوجد أعمار الأموات قليلة جدا فسأل وجاءه الجواب أنهم يكتبون على القبر عمر السعادة والفرح وليس العمر الزمني فقال لهم، إن مت في دياركم أكتبوا على قبري: من بطن أمه الى قبره.

نحن لسنا مخولين للدفاع عنهم، فهم يجيدون الدفاع عن أنفسهم ولكن نحن ملزمون بالتوضيح عن أهمية استشهادهم ،أهمية موتهم وضرورته من أجل الأمة والوطن.

نحن لا يهمنا أن كأنوا يرون في الشهادة عاملا من عوامل كسب الدخول الى نعيم الحياة الثانية، نحن ما يهمنا أن لهذه الشهادة أهمية كبيرة في صيانة البلد وهزيمة دولة العدو، فلولا ثقافة الموت التي هي ثقافة الموت من أجل الحياة، لم تتحر بيروت ولم يتحرر الجبل ولم يتحرر الجنوب ولم نصل الى فرض قواعد اشتباك بيننا وبين العدو.

يقول أنطون سعاده: أننا نحب الحياة لأننا نحب الحرية، ونجب الموت متى اعتقدنا أنه الطريق الى الحياة.

لم يربط سعاده محبة الحياة بمحبة العيش بل ريط محبة الحياة بمحبة الحرية وهذه أرفع درجات الارتقاء، فسعاده يعطي للحياة معنى الحركة يمنحها قيمة العقل، يجعلها غاية بذاتها ليس بهدف العيش بل بهدف الحرية، والحرية عنده هي حرية الصراع.

ويقول أيضا: إن لم تكونوا أنتم أحرارا من أمة حرة فحريات الأمم عار عليكم.

هذه الثلاثية في فكر أنطون سعاده: الموت، الحياة، الحرية، أعطت البشرية نسقا ثقافيا جديدا وهي في صلب نظرة سعاده الى الحياة والكون والفن.

إن هذا التراشق بين ثقافة الحياة وثقافة الموت خطر على الحياة وممر إلى الموت، ولا يكون الخلاص ألا بعقيدة الموت من أجل الحياة ومن أجل الحرية.

لأننا في لبنان لا نتفق على الأصدقاء ولا على الأعداء ولا نتفق على كيفية تأمين المصلحة، ولأننا لا نتفق على الهوية كان من الطبيعي أن نجد هذه المساحة الاصطناعية الافاصلة لواسعة لا يمكن ردم هذه الهوة إلا بالمبادىء القومية الاجتماعية، وحضور غاية الحزب التي هي بعث نهضة تكفل تحقيق المبادىء.

بين ثقافة الموت وثقافة الحياة تسكن شياطين الوسوسة السايكسبوكية الجديدة.

عندما يكون الوطن في خطر يجب أن تكون الأمة مستنفرة، وعند ما يكون الخنجر في ظهر الأمة علينا أن نقوم بواجباتنا كاملة، وإذا تقاعسنا نكون من المساهمين في ضياع الوطن وخسارة الأرض والإنسان.

صارت المواجهة علنية، فقد أفرغت قوى الحياد والخيانة كل ما في جَعبتها، ولم تعد تحتفظ سوى بسر العلاقات العملية.

وأخيرا نردد مع سعاده: آيها السوريون القوميون الاجتماعين إفعلوا واجباتكم واذكروا ان الوطن في خطر.


الأكثر قراءة

واشنطن تريد رئيسا بين تموز وايلول وكلمة السر بين بري وهوكشتاين جلسة «النازحين»: العبرة بالتنفيذ وتجاهل الهبة وتوصية من 9 نقاط مفاوضات القاهرة فشلت والمقاومة تدك القواعد العسكرية بعشرات الصواريخ