اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


رأيته في الأول من آذار يصافح العرزال وما بقي من ذكريات معلقة على أغصان السنديان والصنوبر، يستمع الى خشيش بقايا الأوراق اليابسة وهي تتوجع من وقع أقدام الزائرين أصحاب الوجوه الصفراء، وهي تبتسم حين تدوسها أقدام أصحاب الوجنات السمراء التي لونتها خيوط الشمس بلون التراب الحاضن لجذور الحياة ينظر الى الزائرين، وقد لفحتهم رياح متعددة المصادر متفاوتة السرعة، مختلفة الألوان، حاول أن يراهم صفا واحدا، حاول أن يراهم اتجاها واحدا، فلم يسعفه إحساسه، فما تراه عيناه وما يقراه عقله لا يتوافق مع مشاعره، فالزوار بصف واحد ليسوا جماعة واحدة، انتصر عقله على مشاعره، ورواده شعور اليأس.

رأيته جالسا على درج العرزال لا يستطيع الدخول اليه ويرفض النزول، كأنه يقول للأوفياء من تلاميذه،انا أنتظركم هنا، فداخل العررزال لا يشبهني وأخاف إن دخلت اليه أن يخطفني أصحاب الوجوه الصفراء كما خطفني في السابع من تموز أصحاب الأيادي الملساء، أنا هنا لا قدران فلّ ولا قدران إبقى،وحدي انتظركم يا أبناء الحياة على أحرّ من الجمر.

رأيته واقفا على الدرج ينظر الى القمم والى مدى الوادي الجميل. كأنه يقول ما أجمل أن تستمد تلك القمم فخامتها من تلك الرياحين التي تتسلق السفوح وتتربع على القمم في بداية كل ربيع، كأنه يقول ما أجمل سهول هذا الوادي المروي من خزانات تلك القمم التي ملأها مطر الشتاء وثلجه، وحفرت لها مسالكا تتفجّر ينابيعا في بداية الربيع،وتروي مساكب الحقول وتعطّر ندى الصباح برياحين زهور السفوح.

رأيته غاضبا ينظر الى داخل العرزال ويزمجر كأنه أسد جاءته طعنة غدر من شبل فلا هو يستطيع قتله وعاجز عن تأديبه، فعضّ على جرحه وتسمّر في مكانه، شرر عينيه ومضات وجع لا يفهما إلا من انسكبت فيه الفضية السورية القومية الاجتماعية كانسكاب الروح بالجسد ومن كان وفيا للتعاقد وعاملا بالقسم.

رأيته واقفا يحمل بيد غصنا من زيتون وبيد غصنا من سنديان يرش سلاما على الاوفياء ويضرب ضربات من غضب على الهواء حين يرى خفافيش الليل، فهو لم يعتد على الأذية فمن أراد سلامة رأس خصومه المشبوهين لا يمكن له أن يكسّر رأس من قصّر عن فهمه وانجرف مع سيل المياه الآسنة،أوسقط لحظة ضعف أو لحظة جبانة، حتى الذين تآمروا عليه طردهم من حزبه ومن حياته،ولم يشتمهم مرة ولا أساء الى أشخاصهم بكلمة نابية، فقمة الأخلاق عنده احترام الأخر ولو كان في قمة الخصومة. رأيته يقول لهم :أنا هنا على درج العرزال وبيدي الغربال فمن سقط لن يدنس أرص العرزال.

رأيته يتأبط درج العرزال ويصرخ من هناك ليسمع صوته من في الجبال والسهول والوديان من أراد العرزال،عليه أن يفتش تحت إبطي على درج الوصول اليه.

تذكروا أيها الزوار، أن زيارة العرزال ليست للحج ولا للتبارك، لا تجعلوني مزارا تقصدونه لأغفر لكم ذنوبكم، لا تتقصدوا لمس أخشاب العرزال بغاية الدعاء والاعتراف.

شيدت العرزال لتكون زيارته لحظات للتذكار، لحظات للملمت شتات الأفكار، للإستلهام من عظمة القمم، وجمال السفوح، وخيرات الوديان.

زيارة العرزال ليست للتوبة.

غاية زيارة العرزال النظر الى القمم التي تنتظرنا،أن ننظر الى حالنا بالعقل وليس بالعصبية ولا بتذكار الماضي، أن نشحن النفوس بقيم الحق والخيروالجمال،أن نتذكر أن العرزال قمة وتنتظرنا قمما، أن نقارن بين ما نخن عليه وبين ما أرادنا أن نكون.

ما أردت أن تكون زيارة العرزال تفليدا محددا بزمن ومناسبة، ولم أرده مناسبة لممارسة الطقوس الجامدة، فالطقوس الجامدة دلالة على جمود العقل، وكم أخاف من أن نصاب بمرض جمود العقل.

العرزال محطة من محطات إنشاء القضية السورية القومية الاجتماعية، وإطلاق الفلسفة السورية القومية الاجتماعية، فلا يجوز تحويله الى معبد تمارس فيه طقوس جامدة.

الأكثر قراءة

واشنطن تريد رئيسا بين تموز وايلول وكلمة السر بين بري وهوكشتاين جلسة «النازحين»: العبرة بالتنفيذ وتجاهل الهبة وتوصية من 9 نقاط مفاوضات القاهرة فشلت والمقاومة تدك القواعد العسكرية بعشرات الصواريخ