اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


فلسطين وسرّ القيامة

فلسطين، في مأساتها، أولى من سواها باستكمال درب اَلامه. وهي الأجدر بالوفاء للحفاظ، لا على سرّ القيامة بل على استيفاء كامل شروطها والمندرجات. ما يشهده التاريخ على ارضها اليوم متواصلاً منذ ما يقارب المائة عام يكاد يكون تكراراً أميناً لمشهدٍ سجلّه التاريخ منذ اكثر من ألفي عام. ماذا ارتكب المسيح من جرائم لَيُعاقَب عليها بالموتِ مُعلّقاً على خشبة؟ وماذا ارتكبت فلسطين، منذ " سايكس بيكو" ووعد بلفور حتّى اليوم لتستحقّ هذي العذابات، هذي الالام والتي فاقت، بكثير، أسبوع اَلام من مات ليفتدي اَلام الناس اجمعين؟

لقد لحق بالمسيح ما يلحق بكل قائد ثورة او انقلاب خاب، خاب ولو الى حين. لقد جاء يهودَ هذاك الزمن بانقلابٍ على كلّ مفاهيمهم لله وللانسان، مختصراً أسبابَ ثورته كلّها على ما عُرِف، تضليلاً انّه العهد القديم، بقوله الصاعق: "جميعُ الذين جاؤوا، قبلي، سرّاقٌ ولصوص". فكان جزاءَه موتُه الذي احتفلنا، امسِ الجمعة، بذكراه.

وتابع يسوع بمفاهيمه الجديدة، مفاهيم الحق والعدل، ثورتَه التي لم يعرف التاريخ مثلها ثورة منتصراً على الموت بالموت. وكأنّ التاريخ شاء لفلسطين بالذات ان تتابع الثورة ذاتَها وباثمان وبدماء لا يمكن، من دونها، ان يغسل التاريخ ما لحق به من خزيِ الظالمين ومن عار الساكتين على هذا الظلم الفظيع. وكما دفع المسيح عن الناس أجمعين دمه ثمناً لتغيير ليل التاريخ الى فجرٍ جديد، يبصر منه البشر نورَ الحقّ فيتحررون به هي فلسطين اليوم تدفع الثمن الذي يفوق كلّ خيال، ليس فقط من اجل اجيال فلسطين التي لم تولَد بعد، بل من اجل اجيال عالمٍ جديد.

عالم يعي المظلومون فيه انّ اليأس رجسٌ من غاية الظالمين بهم وانّ اجتنابه فرضٌ واجبٌ على المؤمنين بقيامة الحقّ والعدالة من قبر التاريخ. المؤمنون بأنّهم على رجاء القيامة يموتون، حين يموتون، يحتفلون، الاحد المقبل، بذكرى قيامة المسيح ثائراً دائماً لا تهدأ له ثورةٌ على باطل. تعاليمه ساطعة سطوع الشمس في رابعة نهار مشرق. منها يُستخلَصُ أنّ الوقوف على الحياد بين المجرم والضحيّة لا يقلّ، في هوله، فظاعةً عن ارتكاب الجريمة. "معيار مسيحيّة المسيحي، في هذا الزمن، هو من ولائه لعدالة قضيّة فلسطين"، على ما يجهر به الكبير الراحل الكاهن الكفرصغابي يواكيم مبارك .هذا العالَمُ الهالك في سيره على طريق "العهد القديم" بات بحاجة الى سِفْرِ تكوينٍ جديد. لعلّ فلسطين هي الأكثر اهليّة لكتابة سفر التكوين الجديد.

الأكثر قراءة

كيف منعت إيران الحرب ضدّ لبنان؟