اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


الآن... الكوفية الفلسطينية على كتفي الرئيس الأول للولايات المتحدة جورج واشنطن. غداً... الكوفية الفلسطينية على كتفي الرئيس المقبل للولايات المتحدة، لتحل محل نجمة داود، ما يثير الذعر لدى أركان اللوبي اليهودي الذين يضغطون، بكل الوسائل، لاحتواء التظاهرات الجامعية، استباقاً لما يعتبرونه الظهور الحتمي للـ "فوهرر الأميركي" الذي يعيد صناعة الهولوكوست، ربما بصورة أكثر فظاعة.

وكان أركان اللوبي قد تعاملوا، بمنتهى الفظاظة، مع الأصوات التي كانت تنطلق، بين الحين والآخر، معترضة على سيطرة اليهود (غلاة اليهود) على القطاعات الأكثر حساسية، في البنى السياسية، والاقتصادية، وحتى البنى الاستراتيجية، للأمبراطورية. بمعنى آخر. ما كان يشكو منه الألمان، قبل نشوء النازية، يشكو منه الأميركيون الآن. والمثير في هذا المسار ما ينقله لنا زميل عربي من موسكو، من أن هناك داخل المؤسسة السياسية الروسية من يتساءل ما اذا كان اليهود سيفجرون الحرب العالمية الثالثة، تحسباً لما يمكن أن ينتظرهم اذا ما تغيرت أميركا.

قد تكون العودة ضرورية الى ما نقلناه، مرات ومرات، عن ناحوم غولدمان، وهو أحد آباء الدولة، الذي سبق وحذّر من "النهج الاسبارطي" في السياسات الاسرائيلية، وحيث الاعتماد على القوة فقط ـ القوة القصوى ـ في وجه ما يصفونه بالخطر الفلسطيني، أو الخطر العربي.

غولدمان لاحظ مدى التقلبات الدراماتيكية في مسار التاريخ، والا لما آلت الأمبراطوريات الكبرى الى الاندثار. وهذا ما أكده بول كنيدي في صعود وسقوط القوى العظمى. كما لاحظ أن الرهان على أي من هذه القوى لحماية الدولة العبرية رهان ساذج، وخطير، لأن المصالح، لا المشاعر، هي التي تتولى صياغة السياسات. استطراداً، ماذا اذا انتهت المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.

من هنا دعوة الرئيس السابق للوكالة اليهودية الى الانتقال باسرائيل من الدولة ـ الخندق الى الدولة ـ الكنيس أو الى نوع من الفاتيكان اليهودي، ما يمكّنها من التعايش أو العيش في منطقة تتقاطع فيها الايديولوجيات التي تنتج، بين الحين والآخر، نماذج شتى من... المجانين.

ولكن بعد تجربة القوة ـ القوة القصوى ـ في غزة، وارتطامها بمقاومة لكأنها مقاومة الجبال، ودوران حكومة بنيامين نتنياهو في حلقة مقفلة، هل ما زال باستطاعة اسرائيل حماية المصالح الأميركية، وكان هناك داخل اللوبي من تنبه الى ما دعاه المؤرخ آفي شلايم "الالتباس الايديولوجي" في الدولة. هذا ما دعا الى ابتداع "صفقة القرن" بالاختراق السياسي والاقتصادي، وحتى الفلسفي، للمجتمعات العربية.

وكما نعلم أوكلت الى جاريد كوشنر (حصان أورشليم داخل البيت الأبيض) مهمة اقناع دونالد ترامب بتبني المشروع، عبر ابنته ايفانكا التي سبق وقلنا انها تتجول، بالكعب العالي، في رأس أبيها...

هؤلاء الذين يتظاهرون في حرم الجامعات ليسوا بالظاهرة الهامشية، أو بالظاهرة الآنية، كما أنهم ليسوا بالظاهرة القابلة للاحتواء ان بالعصا، أو بالسلاسل. هم نخبة العقود المقبلة داخل المجتمع الأميركي، أي أن التشكيل الفلسفي لمراكز القوى لا بد أن يتغيّر، لتتغير معه السياسات، وحتى الاستراتيجيات، ما يستتبع السؤال المنطقي عن أكثر الدول تأثرأ اذا ما حدث هذا التغيير؟

كل الأصابع، ودون استثناء، تشير الى اسرائيل التي تحظى بكل أشكال الدعم الأميركي، الدعم اللامحدود حتى لتبدو الولاية الحادية والخمسين. بقاؤها رهن بالمنحى الذي تأخذه السياسة الأميركية، لا رهن علاقاتها مع شعوب الجوار التي تفصلها عنها أنهار من الدم.

المشهد الشرق الأوسطي أرخى بظلاله العاصفة على الداخل الأميركي، ما أحدث ارتباكاً هائلاً داخل الادارة التي يختلف أركانها ـ وتصوروا ـ حول ما اذا كانت اسرائيل تستخدم الأسلحة الأميركية خلافاً لأحكام القانون الدولي.

على من يضحك الأميركيون في هذا الجدل الذي نقلته وكالة "رويترز" الى العلن. هل تبيد اسرائيل الفلسطينييين بقاذفات من صنع طاجكستان؟ وهل أن القنابل التي دأبت الطائرات الأميركية على نقلها يومياً دمى للأطفال؟ اركان الادارة يدركون أن ثمة شيئاً بنيوياً يتغير في أميركا. المستقبل، غير البعيد، ليس لهم ولا لورثتهم.

فرنسيس فورد كوبولا، مخرج فيلم "الرؤيا الآن" قال "لقد ضاق التاريخ ذرعاً بأحذيتنا الثقيلة". بدايات، لكنها البدايات التي تشق الطريق، وان كان الطريق الشاق، الى الأفق!!

الأكثر قراءة

صرخة معلولا: أيّها الأسد أنقذنا