عندما يلجأ الشخص منّا إلى القراءة، فإنه يلجأ إلى أمر يستطيع من خلاله أن يملأ وقت فراغ، أو أن يتشارك مع الكاتب فكرة ما، أو يترك للبَوح في نصّ ما أن يساعده ليتخطّى الواقع، وقد يساعده في تخطّي "حالة" نفسية يمرّ بها، وما يبتغيه المتلقّي أيضًا هو أن يستمتع فيما يقرأ، أوليس الغرض من الأدب "الإمتاع"!
وفي رواية "سيدات العزيز" (منشورات المتوسط 2023) لنزار كربوط، الشاعر والروائي المغربي، أنت لا تستمتع فحسب، بل تتجاوز ذلك لتلاحق النصّ وكاتبه بحثًا عن الجديد، ويظلّ النص مستفزًّا حتى نهايته، بإيهامك بأن لا جديد فيه، ولكنك حينها تكون قد وقعت في الفخّ الذي نصبته لك الرواية.
هي حكاية رجل يعمل في مجال النشر والصحافة، تُظهره الرواية في بدايتها بأنّه غير مرتاح ويمرّ بحالة من الملل والتعب النفسيين، فيقرر صاحب المؤسسة بأن يرسله إلى برشلونة ليتابع مشروعًا للترجمة والنشر، "عزيز" أو العزيز، الرجل البالغ الذي اختبر الحياة وكوّن ثقافة وتجارب في مجالات مختلفة، يحاور طفلًا نظنّه حقيقيًّا في البداية، وتوهمنا الرواية بأنه قد يكون طيف ابن له فقده لسبب من الأسباب، ولكن مع عودته من إسبانيا، واكتشافه بأن ثلاث صبايا سكنّ الشقة التي تقابل شقّته، تنقلنا الرواية إلى مسار آخر، بعدما تكون قد أخبرتنا بعلاقات عزيز العابرة، مع أمل وغيرها.
منال وآية وإيمان، آية وإيمان تدرسان في كلية طب الأسنان، ومنال تعمل في مركز اتصالات، منال التي تبدأ تظهر أكثر فأكثر، وفيما بعد تخبرنا الرواية عن مواقفها الثورية، تجاه أهلها بداية، وتجاه أصدقاء افتراضيين، ولكن الأهم ما تصرّح به الرواية عن منال التي فقد يدها نتيجة حادث سير أدى إلى موت حبيبها. ومن هناك تبدأ الحكايات والبَوح، بين العزيز ومنال.
يلتقي عزيز بمنال في افتتاح معرض صديقه الفنان التشكيلي، وتنشأ علاقة قد نراها مفتعلة من قبل الروائي، ولكنها جاءت بشكل بسيط وسلس لتخدم الحالات والحوارات التي ستنشأ عن هذه العلاقة، والتي أراد لها النصّ أن تؤدّي إلى ما هو أعمق من ذلك، وهو البَوح والحبّ ودورهما في شفاء النفس البشرية.
لقد قدّمت الرواية شخصيّتَي عزيز ومنال على أنهما من المثقّفين، حيث تجري بينهما حوارات عميقة حول الفنّ والأدب والحياة، وفي هذه الحوارات بعض التصنّع، على الرغم من لغة الكاتب المتينة والجذلة، إلّا أنّ لغة الحوار كانت أهم من الحوار وما تضمّنه، ولكن عندما كان يبتعد الحبيبان عن التنظير، كانت الحوارات يؤدّي الدور المرسوم لها بحرفية وعمق. فالرواية مشغولة على البَوح، وخصوصًا البوح الذي أفصح عنه عزيز قبيل نهاية الرواية، قبل معرفته بأمر حمل منال وبعده، وهذا البَوح لم يكن كأسلوب التداعي الحرّ، بل على العكس كان كلامًا مباشرًا حكاه عزيز لمنال، ومن هنا يأتي إصرار الرواية على أنّ البَوح، إن كان محاطًا بالثقة والحبّ، لهو أفضل علاج للنفوس المكسورة.
قصّة الحمل عادية، ولكنها كانت بداية للعديد من التساؤلات حول قضايا شائكة في مجتمعاتنا، ولعلّ أبرزها قضية الحرام والعلاقات خارج إطار الزواج وما قد ينتج عنها، إلا أن النصّ أراد للحبّ أن ينتصر، فنرى عزيزًا العائد من عزلته، وقراره المبني على الحب، والأهم قراره المبني على الوعي الذي بدأ معه بالتماثل للشفاء، ولعلّ هذا الوعي بالمشكلة كان مردّه إلى إحاطة منال له، وبالتالي يأتي انتصار الحب والنهاية السعيدة لتعطي الأمل، على عكس توقعات المتلقّي.
عزيز تعرّض لظلم زوجة أبيه وهرب من بيته ولم يكمل العاشرة، ومنال التي تحدّت أهلها وتحمّلت نتائج كثيرة كان منها بتر يدها، كانت الشخصية المحورية التي بنيت القصة عليها برأيي وليس شخصية العزيز ونسائه، على الرغم من أنّ تصنيف منال قد يأتي بأنها إحدى السيدات، زوجة الأب الظالمة وما تركه ظلمها من أثر، أمل وغيرها من علاقات العزيز العابرة، لتأتي منال بنقصها والعزيز بنقصه ليكمل أحدهما الآخر، إلا أنّ صورة منال، المرأة القوية الثائرة "الملحدة" المجاهرة بأفكارها، كانت الشخصية الجديدة في النصّ.
الطفل كان العزيز نفسه، ولكنه استطاع أن يقنع ذلك الطفل بأنّه سيمضي قدمًا، حتى وإن كان قرارًا متأخرًا، فجعله يختفي، وهنا حالة الطفل جاءت سلسة غير مفتعلة وغير متعمّق فيها، وإلا لكانت شابهت الرواية مثيلاتها من الروايات التي ركّزت على العجائبية.
المأخذ على الرواية هو أنّ الكاتب أقحمَ "البيرة" و"النبيذ" بشكل مبتذل وبشكل عشوائي من دون رمزية أو دور بسيط يخدم النص، لقد عرفنا بأنّهم يشربون الخمر في مشهد من مشاهد الرواية الأولى، ماذا بعد! فكلّ ما حصل لم يكن للبيرة دور فيه سوى أنها ذُكِرت "عالطالعة والنازلة" بحسب التعبير اللبناني، من دون غاية واضحة.
هي رواية عن البَوح وأهميته في شفاء النفس البشرية، وهي رواية عن الاحتضان، نفس مكسورة في مقابلها يد مبتورة، ولكنهما معًا شكّلًا علاقة حبّ جميلة، نتج عنها طفل، وبالتالي نتج عنها أمل، على الرغم من أنّ العزيز أورد جملة يقول فيها بأن الطفل قد لا يكون منه، ولكن لا بأس للرجل الشرقيّ، المثقّف والمنفتح، من بعض ترسبات عادات مجتمعه البالية في لاوعيه.
يتم قراءة الآن
-
العلويّون ضحايا العلويين
-
حزب الله يُحذر من الخروقات «الإسرائيليّة»: للصبر حدود الجولاني مُستقبلا جنبلاط: سنكون سنداً للبنان
-
إيران: الانفجار الكبير أم التسوية الكبيرة؟
-
"Soft landing" فرنجية : فتّش عن المحيطين "كفانا خسارة"! جنبلاط نسق مع بري وقطع الطريق على جعجع القوات تنتظر بري وناقشت كلّ الخيارات منها المقاطعة
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
13:03
وسائل إعلام "إسرائيلية": تقرير أولي عن محاولة طعن عند حاجز حيزما قرب القدس وتم إطلاق النار على المنفذ
-
12:54
"يسرائيل هيوم": شاحنة دهست عدة أشخاص في حولون والخلفية قيد التحقيق
-
12:53
كتائب الشهيد أبو علي مصطفى: استهدفنا بالاشتراك مع سرايا القدس تحشدات "جيش" الاحتلال شرق رفح برشقة صاروخية من عيار "107"
-
12:53
الجبهة الديمقراطية تدين العدوان الأميركي – البريطاني – الإسرائيلي على اليمن
-
12:52
الجبهة الديمقراطية: العدوان على اليمن يؤكد مرة أخرى أننا أمام مشروع أميركي – أطلسي – "إسرائيلي" لإعادة هندسة أوضاع المنطقة
-
12:47
اشتباكات عنيفة في مخيم جنين بين الأجهزة الأمنية ومقاتلين