اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

قلما نرى المسؤولين اللبنانيين يتعاملون مع نظرائهم السوريين تعامل الند للند. هذا خلافاً لمنطق الأشياء ولمنطق العلاقات بين الأشقاء. ولكن يبدو أن الكثيرين من ساستنا قد احترفوا التسكع في سراويل القناصل، بحثاً عن المواقع والمناصب، ربما عن الصفقات. اياهم الذين كانوا يمثلون في عنجر، كما قهرمانات البلاط، بين يدي ذلك الضابط الفظ بالرأس الميت وبالقلب الميت.

أكثر من حادثة وقعت أمامي. من لا يطلب شيئاً يظل مرفوع الرأس. هكذا نقلت تحية مسؤول سوري كبير الى كل من نسيب لحود وفؤاد بطرس. في أحد الأيام كنت في زيارة صحافية لوزير الاعلام السوري، وكان من أركان النظام. دخل مدير مكتبه، ووضع أمامه ورقة كتب عليها اسم وزير لبناني كان ينتظر في الخارج. أكمل حديثه دون أن يكترث. تمنيت عليه أن يدخله لأنه من منطقتي، وأتفادى حصول حساسية ما. فوجئ الوزير اللبناني بوجودي، وقال لنظيره السوري "لن آخذ من وقتك سوى دقائق". جرّه الوزير الى وراء "بارافان" وحادثه وقوفاً لنحو ثلاث دقائق، ثم ترك ضيفه ينصرف دون أن يودعه حتى الباب. هكذا بات صاحب المعالي يتجهم كلما رآني.

كنت أعرف من هو ذلك الضابط الذي نصّب نفسه حاكماً عرفياً للبنان، وكيف كان رؤساؤه يتعاملون معه بازدراء. ربما من أجل ذلك كان يتعامل مع زائريه من اللبنانيين كما لو أنه الحجاج بن يوسف الثقفي.

ولكن كان هناك بين اللبنانيين من يكره السوريين جينياً (حتى الآن هم كذلك). هؤلاء كان يصفون العمال السوريين بـ"الحوارنة"، دون أن يدروا بأن حوران أرض الخير التي قصدها الكثير من اللبنانيين أيام المجاعة، وكما لو أنها لم تنتج شخصيات فذة على شاكلة الأب ايوب فلوح رئيس الكلية الشرقية في زحلة، وكان سعيد عقل أحد طلابها، وكذلك نخب بقاعية ولبنانية.

الآن، البعد السيكولوجي من النزوح السوري بعدما تتالت الجرائم البشعة على أيدي بعض النازحين. لا ننفي أن تجربتنا مع من أمسكوا بالملف اللبناني ان في دمشق أو في عنجر، أو حتى الضباط والجنود على الحواجز (مع وجود ضباط آخرين لا غبار على استقامتهم، ونزاهتهم). كانت أكثر من مريرة، ولا يمكن أن تنسى.

شكري القوتلي وصف لبنان بـ"الدولة الاصطناعية". العراقي نوري السعيد، وهو كردي، رأى في لبنان "شوكة في خاصرة العرب"، لا "لؤلؤة العرب" كما وصفه العراقي الآخر بدر شاكر السياب. بموازاة ذلك، كان هناك أدونيس ونزار قبالني ومحمد الماغوط وأكرم الحوراني وصلاح البيطار، وحتى حافظ الأسد، من يرى في لبنان، وكما وصفه الفرنسي لامارتين "أريكة القمر".

هذا لا يعني غض الطرف عن تاريخ سوريا التي أنتجت 7 أباطرة لروما. قال فيها المؤرخ الفرنسي جان ـ بيار فيليو "في داخلنا جزء من سوريا، وفي مرآة دمشق نستوعب مصير عالمنا". سبقه عالم الآثار الفرنسي أيضاً أندريه بارو بالقول "لكل انسان وطنان وطنه الأصلي وسوريا".

نحن مع كلام سعيد تقي الدين عن "الواو الكافرة بين لبنان وسوريا". المثير أن ثمة من يأخذون من معاداة النظام في سوريا قضية لهم، بدعوى القمع والتنكيل، وحتى بدعوى الديكتاتورية، كما لو أننا لسنا في بلد المافيات السياسية، ولا في بلد التوتاليتاريات الطائفية، وكما لو أن أولياء أمرنا لم يجرونا كما القطعان الى أبواب جهنم.

مشكلة النزوح أكثر من أن يكون حلها جزئياً أو كلياً بيد المسؤولين اللبنانيين، أو بيد ذلك النوع من الساسة الذين عرفوا بمواقفهم الببغائية أو البهلوانية. سوريا الآن ورقة عالقة بيد الأميركيين ان للعب التكتيكي، أو للعب الاستراتيجي. اللوبي اليهودي يضغط للتفكيك من أجل ما يعتبرونه الأمن الأبدي "لاسرائيل". نتنياهو الذي تتراكم الأزمات على كتفيه، يراهن على أن يذهب بشار الأسد الى أورشليم سيراً على الأقدام، ما لن يحصل ولو في الخيال.

كلنا ندرك ما تداعيات تفكيك سوريا على المنطقة. هذا كان حلم زئيف جابونسكي منذ مائة عام. سوريا باقية ولبنان باق. أزمة "اسرائيل" أشد خطورة من أزمة سوريا.

ديبلوماسي مصري مخضرم قال لنا "مشكلة النازحين في واشنطن لا في دمشق" ، التي تخضع لحصار مروّع. لكننا نعلم كيف يدخل رجال واشنطن في لبنان الى واشنطن ، من الثقب الذي تدخل منه... الأرانب!!

الأكثر قراءة

صرخة معلولا: أيّها الأسد أنقذنا