اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


ما كان يريد الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان التوصّل إليه من لقاء رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، وهو أن يُقنع حزب الله بضرورة الفصل بين حرب غزّة والجبهة الجنوبية والملف الرئاسي، سمعه خلال اجتماعه برئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد في حارة حريك، وعلى لسانه. فالحزب أبدى جهوزيته للفصل بين هذين الأمرين، على ما كشفت مصادر سياسية مطلعة، في حال كانت الكتل النيابية الأخرى مستعدّة للتشاور ومن ثمّ الذهاب الى مجلس النوّاب للإنتخاب.

فزيارة لودريان الإستطلاعية- التشجيعية، والتي صبّت في اتجاه جوجلة مواقف القوى السياسية والكتل النيابية، أدّت مهامها. فقد شدّد الموفد الرئاسي خلال محادثاته على ضرورة الذهاب الى انتخاب الرئيس، وإلّا فإنّ التسوية المرتقبة لن تصبّ في مصلحة لبنان، أو أنّه سيتغيّب عنها لعدم وجود رئيس يمثّله فيها. وإذ تطرّق الى ضرورة فصل الإستحقاق الرئاسي عمّا عداه من أحداث في لبنان والمنطقة، مثل حرب غزّة والجبهة الجنوبية والحدود البريّة وأزمة النازحين، لم يغص كثيراً في تفاصيل هذا الأمر.

وعُلم، بحسب المصادر، بأنّ الموفد الفرنسي سمع من برّي تمسّكه بأهمية "التشاور" أو عقد الحوار الوطني في مجلس النوّاب، على أن يرأس بنفسه هذا اللقاء التشاوري للتوافق على إسم المرشّح للرئاسة، أو على أسماء مرشحين عدّة، ومن ثمّ الذهاب بعد ذلك لانتخاب الرئيس في جلسات مفتوحة وعلى دورات متتالية. وقد نصح لودريان المسؤولين اللبنانيين باعتماد عبارة "التشاور" بدلاً من "الحوار"، الذي لا تزال ترفضه بعض الأحزاب المسيحية كونها تعتبره تعدًّيا على صلاحيات رئيس الجمهورية.

ومن المتوقّع أن يرفع الموفد الفرنسي تقريره حول نتائج محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين الى القمّة الأميركية- الفرنسية التي تُعقد في 6 حزيران المقبل في باريس، على هامش الإحتفالات السنوية بالذكرى الثمانين لإنزال الحلفاء في النورماندي خلال الحرب العالمية الثانية (1944)، على ما أضافت المصادر، تحت عنوان أن "الرئاسة معطّلة حالياً وليس من توافق داخلي بعد على انتخاب رئيس وسطي في لبنان". وقد استنتج ذلك من موقف مرشّح "الثنائي الشيعي" رئيس "تيار المردة" الوزير السابق سليمان فرنجية، الذي كرّر أمام لودريان تمسّكه بترشيحه كحقّ له، وما سمعه من "الثنائي الشيعي" عن إصرارهم على مرشحهم للرئاسة.

فالمواقف لم تتغيّر، ولم يتمكّن لودريان بالتالي من الحصول على أي تنازل من إحدى القوى أو الكتل النيابية التي التقاها لتسهيل الطريق أمام انتخاب الرئيس التوافقي، على ما أشارت المصادر نفسها، أي القبول بالخيار الثالث، الذي يجب أن يكون على مسافة واحدة من الجميع، ولا يطعن بظهر المقاومة. كما لم يلحظ موافقة جميع الأطراف على الذهاب قبل ذلك الى التشاور من دون أي شروط مسبقة، على ما يطرح برّي في مبادرته.

أمّا الضغط على القوى والكتل النيابية لانتخاب الرئيس فلم يحصل، وفق المصادر المتابعة، كونه لن يجدي نفعاً سيما إذا لم يقتنع المعنيون بضرورة الإنتخاب. ففرض الحوار على الكتل غير المقتنعة به لن يأتي بنتائج مفيدة لا للداخل ولا للخارج. وإذا كان بإمكان أميركا أو فرنسا تأمين التوافق المطلوب، فإنّ من شأن ذلك تسهيل انتخاب الرئيس. في حين أنّ التلويح بالعقوبات أو التهديد بالمخاطر الأمنية، فسيكون لها انعكاسات سلبية على الوضع الحالي.

من هنا، فإنّ حَراك سفراء "اللجنة الخماسية"، بهدف تحضير الأرضية لاجتماع "الخماسية”"، أو للحثّ على الذهاب الى التشاور في مجلس النوّاب سوف يستمرّ، على ما تابعت المصادر السياسية، مع انتهاء زيارة لودريان، وإن كان البعض يجد فيه "إضاعة للوقت". فسفراء "الخماسية" لا يتحرّكون فقط على خطّ الإستحقاق الرئاسي، إنّما أيضاً على خط حرب غزّة والمواجهات العسكرية في الجنوب، ويُحذّرون من التصعيد جنوباً ومن حرب موسّعة، نظراً لانخراط دولهم في المرحلة المقبلة من عمر لبنان، لا سيما على صعيد الإستخراج والتنقيب عن النفط والغاز في البلوكات اللبنانية الحدودية.

وتكمن الصعوبة هنا، بحسب رأي المصادر، أنّ الجميع يُطالب بضمانات داخلية وخارجية لعدم ثقته بالطرف الآخر. ولهذا جاء لودريان لتشجيعها على التحاور أو التشاور في ما بينها، علّها تصل الى توافق ما على إسم الرئيس المقبل. ولا يجد الموفد الفرنسي أنّ طريق التشاور مستحيل، سيما وأنّه حصل في مجلس النوّاب أخيراً لمناقشة أزمة النزوح السوري وهبة المليار يورو من أوروبا، وقد شاركت فيه جميع الكتل النيابية. لهذا حثّ لودريان سفراء "الخماسية" على استكمال جهودهم، والتعاون مع تكتّل "الإعتدال الوطني" لتذليل عقبتي الدعوة الى التشاور وترؤسه، من دون وجود أي نوايا مبيّتة لدى أي طرف.

ونقلت المصادر عن الموفد الفرنسي أنّه شدّد أمام محدثيه على أنّ الأولوية اليوم هي للتوافق على انتخاب الرئيس، وتنشيط عمل المؤسسات لكي تتمكّن الحكومة الجديدة من إيجاد الحلول للأزمات القائمة. فالوضع القائم حالياً يُشكّل تحدٍّ كبير وثقيل على الدولة اللبنانية، ومن الصعب التعامل معه قبل انتخاب الرئيس، وانتظام المؤسسات وتحقيق الإصلاحات المطلوبة.

الأكثر قراءة

عمليات اسرائيلية مكثفة في رفح والاستعدادات لحرب موسعة تتواصل! التيار والقوات في سجال «الوقت الضائع»