اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

قام بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأورثوذكس البطريرك يوحنا العاشر يازجي، بجولة في مدينة القرداحة، وألقى كلمة أمام الحشود الرسمية الدينية والاجتماعية والحزبية والشعبية، جاء فيها: «أيها الأحبة، بدء الحكمة مخافة الرب. هذا ما يرد في الأسفار الحكمية في الكتاب المقدس. ومن هذه الحكمة، التي يسكبها الله علينا لكي نعرف الحق، يحلو لنا أن نطل عليكم ونعانق في وجوهكم الطيبة كل أطياف الوطن السوري الذين نحيا واياهم اخوّة الجغرافية ولحمة التاريخ وشموخ الجبل وانبساط السهل والساحل والسعي دائماً لنيل مرضاة القدوس العلي رب السموات والأرض الذي ننهل من حكمته ومن مخافته عندما نعدن من حنطة هذه الأرض قرابين شكرنا له وحمدنا إياه، فهو نور السموات والأرض وكل نور هو من نوره وكل خير وصلاح من لدنه.

بدء الحكمة مخافة الرب. ومعرفة القدوس فهمٌ». وما أحوج أجيال اليوم الى هذا الكلام. لو أن كل علومنا تقتني مخافة الله، ولو أن مجتمعات عالم اليوم تقتني تلك المخافة لما انحدرت حكمتها وعلومها الى هذا الدرك. مخافة الرب هي أصل وجوهر وعنصر كل حكمة وتفقّه دنيوي وديني. ومخافة الرب تجد صداها وتطبيقها في طيب العلاقة مع الأخ في الانسانية الذي أراده الله لك محكاً لوجودك ومحكاً لكينونتك. فمن دون الآخر لا تعرف ذاتك.

نطل من القرداحة التي عرفت وتعرف هذا التآخي الديني.

نطل من هذه الأرض التي تحتضن الكنيسة والمقام والجامع وترفع دعاءها الى الله بخفقة قلب كل أم تقدم أبناءها في سبيل الوطن.

نذكر كيف أن هذه الأرض عرفت المسيحية منذ انطلاقتها. ولا أدلّ على ذلك من وجود العديد من البلدات والقرى ههنا وفي الجوار التي تحمل الى أيامنا في أسمائها تلك المعالم المسيحية من أمثال دير ماما وعين جرجس وديرين والكنيسة والراهبية ودير حنا ودير توما ودير مريم وغيرها الكثير. نطل اليوم لنقول ان الله تعالى بذرنا في هذه البسيطة لنعليَ بتآخينا مجد اسمه القدوس. نطل لنقول ان التكفير أي رفض الآخر هو أول ما يمحو من قلب أي امرىء مخافة الرب، بدء كل حكمة.

نطل من بلد الرئيس الخالد حافظ الاسد من القرية التي احتضنت رجل الموقف وسيد القرار. نطل من هذه الجبال التي تخبر عن كرامة هذا الوطن. نطل من القرداحة التي تحتضن ضريح اسد قاسيون الذي لم يساوم قط على حق والذي رفع راية هذا البلد ونال احترام الخصوم كما الاصدقاء. نطل لنسأل رحمات الله لمن رفع راية سورية وعشق ترابها وسعى وعمل ان تعود الارض بكرامة وبموقف لا بمنة ولا باستدرار عطف. نطل من القرداحة ونسأل عون الله ومراحمه للدكتور بشار الاسد رئيس الجمهورية العربية السورية. كان الله معك سيادة الرئيس وحمل معك في زمن تخرج فيه سورية من ويلات الحرب التي فرضت عليها وفي ايام يدفع فيها السوريون ضريبة الحصار الاقتصادي الآثم الذي يستهدف اولا واخيرا المواطن السوري في لقمة عيشه ويجعله فريسة الهجرة والتهجير وسط تباكي العالم وتناسيه ان للهجرة وللتهجير حلا واحدا، فليرفع الحصار عن الشعب السوري ولتبدأ مسيرة الاعمار.

نذكر شهداء هذا الوطن، شقائق النعمان التي صبغت من حمرتها اكليل مجد وفخار لهذه الارض. نذكرهم وصورهم تزين هذه القرى التي دفعت الكثير الكثير لتبقى سورية امنة ولتبقى بسمة الاطفال مزينة هذه الارض. رحم الله الشهداء الذين قدموا الارواح بخورا وسقوا بدمائهم ارض سورية التي احتضنتهم في عشق ابدي. نعزي ذوي الشهداء ونشد على اياديهم وهم الذين زرعوا في قلوب بنيهم حب الوطن. نحن نتعزى بوجود هذه الهامات، قامات السنديان التي يرتع المجد تحت اقدامها والتي تظلل الوطن بشموخها وابائها وهي تلثم وجه الشمس.

نحن ركاب قارب واحد في هذا الشرق الذي اراده الله نسيجا من كل الاديان. نتقاسم مصيرا واحدا ونحن نعبد الله ابا الانوار واله كل تعزية فهو القدوس الذي تجلى علينا وأعطانا الحق. كان الله معنا دائما وكان بعون فلسطين الجريحة التي تدفع من دم ابنائها ضريبة الحق العربي الفلسطيني المستباح على قارعة مصالح الامم. وكان الله معنا مبيدا احزان كل تائق الى مرضاته تعالى وكان الله معنا مشددا ومعينا ومُزيحا عن كاهل كل مضنيّ ضيق هذه الحياة الفانية.

الا فلتبق مخافته في قلوبنا جميعا مشكاة حكمة ومعين تبصّر، هو المبارك والعلي والممجد ابد الدهور، آمين».

28 أيار 2024 

الأكثر قراءة

صرخة معلولا: أيّها الأسد أنقذنا