اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


الإبداع في الخداع

لا تزدهر في السوق تجارةٌ، الّا وفق قاعدة العرض والطلب. كما بات للعرض فنونه والأصول، فللتشجيع على الطلب مثلها وأكثر. وعليه، فكم من مستهلكين يندفعون الى شراء ما ليسوا في الواقع بحاجةٍ اليه، اللّهم الّا لمُجرّد استجابة لاقتناء ما زيّن لهم اقتناءه اعلانٌ.

وتفشّى بنتيجة ذلك، وساد ما يصحّ ادراجُه تحت عنوان ثقافة الاستهلاك العبثي. وهي ثقافةٌ تعدّت عندنا ما له صلةّ باستهلاكنا، لما هو حاجات ماديّة بعينها، الى اختراق أصاب بالعطب الكثير من مفاهيمنا والمعايير.

ووصلنا، بغياب نخبةٍ منّا تتصدّى لمسلسل الاعطاب والانهيارات، الى المرحلة البائسة التي يصحّ فيها قولُ مُظفّر النوّاب فينا "انّ الواحدَ منّا يحملُ في الداخل ضدّه".

شعبٌ لا يتورّع في معظمه عن الانقياد خلف قادة الفساد فيه، لانقاذه من فاسديه. شعبٌ في معظمه لا يتورّع عن أن يصلّي خلف قادة فريسيين يلعنون الفريسيين، خلف قادة دينيين يقولون ما لا يفعلون. شعبٌ لا يزال في معظمه يعلِّق املاً بالخلاص من جهنّم ما هو فيه، على قادة احزابٍ أفنوا وعفنوا وتحلّلت وعفنت وفاحت منها رائحةُ موتها.

مُلخّص مأساتنا "أنّ الواحدَ منّا يحملُ في الداخل ضدّه". ألستَ يصفعك كيف يحلو لأهل الابداع في الخداع عندنا، ومعهم مُروِّجو ثقافة التفاهة والتجهيل، أن يُدرجوا هذا الاقبال غير المسبوق على المطاعم والملاهي تحت عنوان الاعجوبة اللبنانيّة، يحقّقها "قدّيسو ثقافة الحياة"، ثقافة قلّة الحياء؟

والظاهرةُ هذه تستنفر الانتباه فعلاً، الى حدٍّ لا يستطيع معه عاقلٌ ان لا يعبر في باله سؤال: هل هي المصارف سرقت ودائع الناس في لبنان؟ أم هم هؤلاء المرتادون بهذه الاحتفاليّة الجحفليّة، المقاصف والملاهي والمطاعم والمنتجعات، وكأنّ ما يتعرّض الجنوب وجنوب الجنوب لا يعني الناس في حال؟ قصارانا مع هذا الواقع الغريب العجيب، أنّ في الأمر لا ريب سرّاً. هل السرّ في أعجوبة أم في أُكذوبة؟

سؤالٌ غير معنيٍّ بجوابٍ عنه شعبٌ لا يحاسب فاسديه، لا يتصدّى لقاتليه، ويهلل في كل حال لِلاعنيه.

هل اقتربنا من حدود اليأس؟ اليأسُ رجسٌ من غاية الأعداء بنا. لن ندخل تجربة الشرير. الجهاد على جبهتَيِّ الفساد في الداخل والمستثمرين فيه من الخارج، الجهاد وحده يُبعد عن أبناء الحياة كأسَ اليأس القاتل.

الأكثر قراءة

عمليات اسرائيلية مكثفة في رفح والاستعدادات لحرب موسعة تتواصل! التيار والقوات في سجال «الوقت الضائع»