اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

في قلب ملف جنائي هزّ أركان العدالة وأثار غضب المجتمع، تقف قصة الطفلة لين طالب كواحدة من أكثر القضايا تعقيدًا وحساسية في تاريخ القضاء اللبناني. بينما تتكشف فصول هذه المأساة، يجد القضاة أنفسهم في مواجهة معضلة غير مسبوقة، لدرجة أن بعضهم اضطر للتنحي عن القضية، رافضين استكمال النظر فيها بسبب صعوبتها ووقعها الثقيل على النفوس. فما هي حقيقة هذه القصة التي دفعت قضاة رفيعي المستوى إلى الابتعاد عن ملفها؟ وكيف سيتعامل النظام القضائي مع هذه التحديات غير العادية؟

بدأت قصة الطفلة لين طالب نتيجة خلاف حاد بين والدها ووالدتها أدى إلى الطلاق، مما جعل والدتها تستقر في منطقة المنية ووالدها في عكار. خلال فترة العطلة، أخذت الأم لين لتقضي معها تسعة أيام.

تفاصيل القصة المأساوية

بينما كانت والدة لين متوجهة إلى المستشفى مع زوجة أخيها لتضع مولودها، استغل الخال غيابهم وارتكب جريمة شنيعة باغتصاب الطفلة لين. بعد وفاتها، تم اكتشاف خدوش على رقبة الخال، مما دفع القاضية ماتيلدا توما إلى طلب أخذ عينات احتياطية. تم إرسال عينة منها وعينة أخرى إلى مركز الأدلة الجنائية في بيروت (حبيش) لتحليلها في المختبر.

وبعد الاعتداء، تُركت لين في المنزل لمدة ست ساعات، حيث حاولت والدتها وجدتها علاجها بطرق بدائية باستخدام الماء والملح، على أمل إنقاذ حياتها. وأفادت مصادر موثوقة لجريدة "الديار" بأن الاعتداء كان شرجيًا.

بعد مرور كل هذا الوقت، توجهت الأسرة أخيرًا إلى مستشفى الخير في منطقة المنية، لكن الطفلة كانت قد فارقت الحياة. فطلب الطبيب المعالج فحصها من قبل طبيب شرعي بعد ملاحظته وجود احمرار ونزيف شديد، بينما كانت العائلة تحاول دفنها بسرية بادعاء أنها توفيت بشكل طبيعي. بعد الفحص، وأكد الطبيب الشرعي تعرض لين لاعتداء، مما دفع مخفر المنية لإبلاغ القاضية ماتيلدا توما، التي أمرت بفتح تحقيق في القضية. فتم استدعاء الوالدين للتحقيق، وتبين أن العم كان مسافرًا وقت وقوع الجريمة.

في هذا الوقت، كانت عائلة والدة الطفلة تتهم الأب والعم بالتحرش بها. فتواصل والد لين مع المحامي وطلب منه تولي القضية، قائلاً: "إذا كان علينا شيء، نحن بدنا نتحاسب، وإذا ما علينا شيء بدي حق بنتي!".

تفاصيل التحقيقات المكثفة

أُرسلت القاضية ماتيلدا توما استنابة قضائية للكشف على المنزل، لكنها لم تكشف الكثير من الأدلة. فأمرت بجمع تسجيلات الكاميرات في المنطقة، وأُرسلت استنابة إلى قيادة الجيش لفرع المخابرات لإجراء تحقيقات وتجميع المعطيات. وطُلبت القاضية توما الملف إلى مكتبها، حيث استدعت الأب والأم والجد الذي كان في حالة ارتباك وتوتر شديدين. ولكن التحقيقات لم تصل إلى نتائج واضحة، فأمرت القاضية بمصادرة هواتفهم وتحويل الملف إلى مكتب مكافحة الأداب. هذا المكتب بدوره حول الهواتف إلى مكتب المعلومات لتفريغ محتوياتها، حيث اكتُشف تكاثف الاتصالات بين الجد والأم خلال وبعد وقت الاعتداء على لين. نتيجة لذلك، أمرت القاضية بتوقيف الأم والجد وتحويلهما مع الملف إلى النيابة العامة، التي بدورها ادعت عليهما وحولتهما إلى القاضية سمرندا نصار.

تحولات درامية في القضية

في هذا الوقت، استدعت القاضية الجدة والخال للإدلاء بإفادتهما كشهود. ومع وصول نتائج الاستنابة المتعلقة بعينة أظافر لين الموجودة على رقبة خالها، تبين أن الجدة والجد والأم كانوا على علم بكل ما جرى وحاولوا التغطية على الجريمة. بناءً على هذه المعلومات، ادعت القاضية سمرندا نصار على الجميع كمدعى عليهم، وليسوا شهوداً، خوفاً من هروبهم. وأصدرت قراراً ظنياً يدينهم جميعاً: الخال بالاغتصاب (المواد 505 و509 و507)، والقتل عن قصد لكل من الأم والجد والجدة والخال (المادة 549)، ثم حوّلت الملف إلى الهيئة الاتهامية.

إليكم شرحاً حول ملفات الجناية وترتيبها

أي ملف جنائي يتدرج في إجراءاته القانونية من تحقيق أولي (تحقيق درك)، يليه تحقيق استنطاقي (تحقيق لدى قاضي التحقيق)، ثم ينتقل إلى الهيئة الاتهامية، التي تُعتبر أعلى رتبة من قاضي التحقيق وتراقب عمله. وبعد إصدار قرار اتهامي بحق المتهم، تُحول الهيئة الاتهامية الملف إلى محكمة الجنايات بواسطة النيابة العامة. فتقوم محكمة الجنايات بمباشرة الملف بموجب القرار الاتهامي الصادر عن الهيئة الاتهامية.

أما قاضي التحقيق يصدر قرارًا ظنيًا، بينما تصدر الهيئة الاتهامية قرارًا اتهاميًا، ويُحول الملف إلى محكمة الجنايات. حالياً، ملف لين موجود في الهيئة الاتهامية.

القضاة الذين تنحوا وأسباب تنحيهم:

لتوضيح الأمور أكثر، يجب أن نعلم أن الهيئة الاتهامية تتألف من ثلاثة قضاة يصدرون القرار الاتهامي ويوقعون عليه. وبالنسبة لملف لين، وقعت القاضية سنية السبع وحدها، بينما تنحى القاضيان الآخران. وبذلك، لم تستطع القاضية سنية السبع اتخاذ أي إجراء بمفردها، مما دفعها لمحاولة جلب قاضيين آخرين للتوقيع معها.

تفاصيل التنحي

أكدت مصادر خاصة لـ"الديار" أن الملف استلمه القاضي إلياس عساف، لكنه تنحى بسرعة بعد الاطلاع عليه، نظرًا لطبيعته المشمئزة. فيحق للقاضي قانونيًا التنحي عن أي ملف يشعر فيه بالحرج. وبعد تنحيه، استلمت القاضية رانيا الأسمر الملف، لكنها أيضًا لم تستطع الاستمرار فيه وتنحت فورًا بسبب حساسية القضية.

الحل المقترح للقضية

أشار المحامي البعريني إلى أنه "سيتم تشكيل هيئة جديدة لتستلم الملف وتصدر قرارًا اتهاميًا جديدًا بحق الأم والجدة والجد والخال، ثم يتم إرسال الملف إلى محكمة الجنايات لتحديد جلسات ومحاكمات وإصدار الأحكام بحقهم".

فبينما يترقب المجتمع اللبناني بقلق نتائج التحقيقات والمحاكمات في قضية الطفلة لين طالب، تبقى الأسئلة الموجعة عالقة في الأذهان: كيف يمكن أن يحدث مثل هذا العمل الوحشي؟ وما الذي سيدفع القضاة للتنحي عن قضية بهذا الحجم؟ في وسط هذه الأسئلة، يبقى الأمل في أن تتحقق العدالة للطفلة لين، وأن ينال الجناة عقابهم العادل.

تظل هذه القضية تذكيرًا مؤلمًا بأهمية تعزيز النظام القضائي وحمايته من الضغوط الخارجية، لضمان أن تسود العدالة دائمًا. إن مأساة لين هي نداء لكل من يسعى إلى الحقيقة والإنصاف، لكي لا تتكرر هذه الفظائع، ولكي ينعم أطفالنا بمستقبل آمن وعادل. إنها قصة تستحق أن تُروى وتستحق أن تُسمع، ليكون صوت لين هو الصرخة التي توقظ الضمير الإنساني وتحفز الجميع للعمل من أجل مجتمع أفضل وأعدل.

الأكثر قراءة

خاص "الديار": أول عملية استشهادية في الخيام ومعارك عنيفة مستمرة