اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


تُصرّ "إسرائيل" على إعادة ترسيم الحدود البريّة جنوب لبنان، رغم أنّها مرسّمة في اتفاقيات دولية عدّة، وهي إتفاقيات لا لُبس فيها. غير أنّ بعض الخرائط المنتشرة على مواقع البحث عبر "الإنترنت"، أظهرت تغييراً أو تعديلاً على خط الحدود، لا سيما في منطقة جبل الشيخ وفي القطاع الأوسط، ليتبيّن أنّه حصل بإيعاز "إسرائيلي" في محاولة لطمس الحقائق، وجعل هذه الخرائط تطغى على الخرائط القديمة الأساسية، التي تؤكّد على الحدود البريّة الدولية للبنان. فما حقيقة تعديات العدو على خرائط الحدود؟!

يقول السفير الدكتور بسّام النعماني، الخبير بقضايا الحدود البحرية والبريّة لجريدة "الديار" أنّ خرائط الحدود الصادرة تُركّز على القطاعين الغربي والأوسط من الحدود اللبنانية الجنوبية، والتي تُغطّيها "إتفاقية بوليه- نيوكومب" الموقّعة عام 1923. أمّا القطاع الشرقي الذي لا تُغطّيه الإتفاقية المذكورة، والذي يشمل جبل الشيخ والقمم الواقعة الى شرق بلدة شبعا، فيجري إهماله ولا يتمّ التطرّق إليه بشكل كافٍ ودقيق. هذا رغم أنّ جبل الشيخ هو من أهمّ المناطق الاستراتيجية، نظراً لإطلالته على دمشق والبقاع والجليل، فضلاً عن كونه منبعاً رئيسياً لروافد نهر الأردن وبحيرة طبريا وخزّاناً أساسياً للمياه الجوفية.

وأشار الى أنّ ثمّة "ثغرة" عند هذه الحدود اللبنانية في سلسلة مرتفعات جبل الشيخ، حيث تنتهي فيها نقطة حدود انتشار قوّات الطوارىء الدولية "اليونيفيل" العاملة في جنوب لبنان. ومن المعروف بأنّ هذه المنطقة خاضعة لدائرة عمليات الكتيبة الهندية، والنقطة "النهائية" لإنتشار الكتيبة الهندية حيت لا تتموضع بعدها معروفة بقمة جبل ملحاثا الحدودية (إرتفاع 2200 متر) الواقعة إلى الجنوب من قمة جبل الشيخ (إرتفاع 2682 متراً). ويقع إلى الجنوب منها قصر عنتر (2814 متراً)، وهي تعتبر أعلى قمة في هذه السلسلة الجبلية والتي يطلق على مجموع قممها التي تتشكل منها "جبل الشيخ". ومن المرجح أنه لا توجد نقاط ثابتة للجيش اللبناني لا في جبل الشيخ ولا في قمة ملحاثا ولا في قصر عنتر، نظراً لوعورة المنطقة وصعوبة إيصال التموين لأي قواعد عسكرية ثابتة أو متحركة فيها، خصوصاً وأن أقرب التجمعات السكانية لهذه القمم تبعد ما بين 10 إلى 15 كيلومتراً في بلدة شبعا.

أما على الجانب السوري، فأوضح النعماني أنّه توجد نحو 6 قواعد ثابتة ومؤقتة (أي غير ثابتة) للكتيبة النيبالية من "الأندوف" (قوّات مراقبة مضّ الإشتباك في الجولان) ما بين نقطة قمة جبل الشحل (إرتفاع 1983 متراً) وقمة جبل الشيخ (والتي أصبح متعارفاً عليها بأنها تقع إلى شمال قصر عنتر). هذا الإنتشار هو في منطقة تعتبر منزوعة السلاح وخالية من القوات السورية أو من قوات إحتلال العدو. ويمتد إنتشار الكتيبة النيبالية في تلك المنطقة على طول يبلغ نحو 15 كيلومتراً من قمة جبل الشيخ إلى قمة جبل الشحل. ويلتقي النيباليون مع زملائهم في الكتيبة الهندية على الجانب اللبناني من الحدود لنحو 2 كيلومتر ما بين النقطة HS (إرتفاع 1850 متر) والشحل. ولكن على رغم أن هذه المنطقة تعتبر تحت صلاحية الكتيبة الهندية، فإنه على عكس النيباليين في الجانب الآخر من الحدود، فإنه لا توجد فيها نقاط ثابتة أو متحركة لليونيفيل في محيطها، بل إن أقرب مركزي مراقبة للقوّة الدولية في كامل منطقة جبل الشيخ هما 4-7A على بعد 2 كيلومتر شمال شبعا، و4-7C شمال برختا في مزارع شبعا.

وتابع السفير النعماني: هنا أصبح لدينا منطقة شديدة التعقيد من حيث تداخل الإنتشار الدولي واللبناني والسوري، ولقوات الإحتلال الإسرائيلي في القطاع الشرقي من الجبهة اللبنانية الجنوبية: منطقة تمتد لحوالي 10 كيلومترات ما بين بلدة المجيدية وقمة جبل الشحل، تتواجد فيها قوات "اليونيفيل" من الكتيبة الهندية على الجانب اللبناني، ويقابلها قوّات العدو الإسرائيلي في المناطق المحتلة والتي تضم مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وشريط القمم المحيطة، وأخيراً مرصد التزلج الشهير الذكر، و2 كيلومتر ما بين الشحل وملحاثا/HS تتقابل فيها الكتيبة الهندية في الجانب اللبناني مع نظيرتها الكتيبة النيبالية في جانب المنطقة المحظورة للسلاح، و11 كيلومتراً ما بين النقطة HS وقمة جبل الشيخ تتواجد فيها فقط الكتيبة النيبالية على الجانب السوري من المنطقة المحظورة، بينما لا وجود لقوّات "اليونيفيل" على الجانب اللبناني من الحدود، ولا تتمتّع أصلاً بأي صلاحية لها هنالك، بل هي منطقة خاضعة لصلاحية الجيش اللبناني وحده، ولكن من دون أي تواجد لقواعد ثابتة له فيها.

وأكّد أنّ هذا الوضع الملتبس أدى في السنوات القليلة الماضية، إلى انتشار خرائط لمنطقة جبل الشيخ ومزارع شبعا مخالفة لكل الخرائط اللبنانية والسورية والدولية، فضلاً عن خرائط العدو الإسرائيلي نفسه. فقد جرى تعديل للحدود التي كانت تحدد الحدود الدولية المتعارف عليها سابقاً، وهي تقع تحديداً في خط الحدود الدولية "القديمة"، والمعروفة ما بين المجيدية وقمة جبل الشيخ على الخرائط السابقة. وليس من المعروف من أين نتجت هذه الخرائط "الجديدة" ومن بدأ برسمها؟ وكيف تسربت إلى الجهات اللبنانية التي تقوم عن قصد أو عن غير قصد، بنشرها وتوزيعها؟ ولكن حتما بدأت باكورتها مع قيام الأمم المتحدة بالإشراف على رسم الخط الأزرق أو خط الإنسحاب في عامي 2000 و2006.

فالإهتمام اللبناني، على ما أوضح السفير النعماني، كان منصبّاً على خط "بوليه- نيوكومب" الذي يمتد من رأس الناقورة حتى نقطة جسر الغجر في القطاعين الغربي والأوسط. وتوافرت الكثير من الخرائط التي تسجل تحفظات الجيش اللبناني المختلفة على نقاط على طول ذلك الخط. أما المنطقة الممتدة من جسر الغجر حتى وادي العسل في القطاع الشرقي، فقد اعتبرها الجانب اللبناني جزءاً من منطقة مزارع شبعا، وسجّل تحفظه على الخط الأزرق المرسوم في تلك المنطقة بشكل إجمالي، ولكن غير محدد بما فيه الكفاية. وفي المقابل، لم تُنشر خرائط الخط الأزرق الذي جرى رسمه في تلك المنطقة من قبل "اليونيفيل"، خصوصاً وأن العدو لم يهدأ، وبدأ بالتلاعب بخط الحدود الدولية على الخرائط (كما هو مبين في الخريطة المرفقة التي تُظهر التعديات بشكل واضح).

اضاف: هذه التجاوزات والتعديات تبدو واضحة إستناداً إلى هذه الخرائط "الحديثة"، والتي يمكن مشاهدتها بوضوح في "Google Earth". وهي مشابهة بشكل مريب للتحفظات اللبنانية على طول الخط الأزرق في القطاعين الأوسط والغربي. فقد أعاد العدو رسم حدود الخط الأزرق في هذين القطاعين تحت ذرائع مختلفة: إستراتيجية أو أمنية أو إنسانية  (بلدة الغجر وصخرة رأس الناقورة، ونقطة الـ B1، وخط الطفافات في البحر كأمثلة بيّنة). واستتبع ذلك إعادة ترسيم مماثل في القطاع الشرقي المذكور. ولا بد في هذا السياق من إثارة أنه يوجد مثلث صغير من مزارع شبعا شمال برختا خالٍ من أي تواجد لإحتلال العدو العسكري. وقد تكون هذه هي المنطقة التي يتحدث عنها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين ، كبديل للنقاط البرية التي يرغب العدو بالاحتفاظ بها على الخط الأزرق (أي أن يبيع لبنان من كيسه في مزارع شبعا!).

وأشار الى أنّ ثمّة صورة التقطت عام 1986، مأخوذة من المتحف العسكري الأوسترالي، تُظهر أحد ضباط "اليونيفيل" وقتذاك هو النقيب بيتر ماكارثي (الذي قتل لاحقاً بإنفجار لغم أرضي في العام 1988)، أمام خريطة كبيرة (مرفقة) تبين الحدود الدولية المتعارف عليها في منطقة جبل الشيخ في الخرائط اللبنانية والسورية والدولية، بل وفي خرائط العدو نفسه. وهذه الخريطة ذو مقياس كبير بمعنى أنها تحوي الكثير من التفاصيل، ولا يمكن أن تكون قد اختزلت التفاصيل الحدودية حتى يتحجج العدو بأن الخرائط "ذي المقاييس الصغيرة"، والتي تتطابق فيها الحدود الدولية مع خريطة النقيب ماكارثي، لا يمكن الركون إليها في ترسيم مستقبلي.

 أما الخرائط "الجديدة"، يضيف النعماني، التي بدأت تنتشر حتى وصلت إلى حد إستعمالها من قبل منظومة البحث "Google Earth"، وسائر منظومات البحث الجغرافي بواسطة الأقمار الصناعية، فهي تعيد رسم الحدود الدولية المتعارف عليها في منطقة جبل الشيخ ومزارع شبعا، وبإيعاز "إسرائيلي" واضح. وقد وصل الأمر إلى درجة أنّ قوّات "الأندوف" التابعة للأمم المتحدة غيّرت خرائطها السابقة، وبدأت بنشر هذه الحدود "الجديدة" في منشوراتها وإصدارتها السنوية (يمكن مراجعة خريطة إنتشار قوات "الأندوف" في تقريرها السنوي عام 2021). والخطر يتمثل بأن هذه الحدود ستتكرس لاحقاً، في ما لو لم يحصل اعتراض لبناني عليها، وتصبح وثائق رسمية تثبِّت "حقوق" العدو في هذه المنطقة. والحجة التي ستساق هي أن الأندوف قد "رسمّت" هذه الحدود الجديدة ولم يعترض عليها أحد!

وبناء على المعطيات المذكورة آنفاً، يقترح النعماني على الحكومة اللبناني إجراء ما يلي:

1- نشر الجيش اللبناني لخرائط الأمم المتحدة التي تبين إمتداد الخط الأزرق ما بين المجيدية وجبل الشحل، ومقارنتها بالخرائط السابقة للإستبيان عما إذا كان هنالك تعديات على الحدود الدولية المعترف بها سابقاً.

2- أن تقوم قيادة "الأندوف" بإنشاء مكتب تنسيقي لها في لبنان يسمح للحكومة اللبنانية الإتصال بها بشكل مباشر، بدلاً من الإتصال غير المباشر عن طريق قيادة قوات "اليونيفيل" أو في حال تعذّر الأمر الإتصال عبر قيادة "الأندوف" في مخيم الفاعور في سوريا، خصوصاً وأنّ هناك تماس مباشر بين الحدود اللبنانية ومنطقة إنتشار "الأندوف".

3- الاستفسار من قيادة "الأندوف" عمّن فوّضها بإعادة رسم الحدود الدولية في جبل الشيخ.

4- الإستفسار عن الأسباب الداعية والموجبة والمبادئ التي استندت إليها قيادة "الأندوف" لإعادة رسم الحدود الدولية المتعارف عليها في هذه المنطقة.

5- عودة "الأندوف" إلى إستعمال الحدود الدولية السابقة المتعارف عليها في الخرائط والوثائق الرسمية الصادرة عنها.

الأكثر قراءة

الضفة الغربيّة... إن انفجرت