اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

في أعماق قلبي، دائمًا كان هناك شيء يجعلني أتردد عندما يسألني أحدهم عن مسقط رأسي. أنا، ابنة البقاع، المنطقة التي تجتاحها الأقاويل والصفات السلبية. من تجارة المخدرات إلى السرقة وبيع السلاح، كان اسم البقاع مرتبطًا زوراً بظلال قاتمة أثقلت قلبي وحجبت عني بشكل غير مباشر نور الفخر والانتماء.

لأعوام عديدة، كنت أخجل من أن أفصح عن هويتي. أخاف من النظرات المريبة والأحكام المسبقة، أخاف من تلك النظرات التي تحمل في طياتها الشكوك والتساؤلات. لكنني، في أعماق نفسي، كنت أعرف أن البقاع هو أكثر من مجرد تلك الصفات السلبية. البقاع هي منطقتي، المنطقة التي أحببتها بقدر ما أخفيتها عن الآخرين سابقاً.

لكن الزمن علمني أن الفخر ينبع من القلب، وليس من الكلمات التي تُقال. أما الآن، بكل فخر وعزة، أرفع رأسي عاليًا وأقول بصوت مليء بالقوة: "أنا ابنة البقاع". فالبقاع ليس مجرد منطقة، بل هو موطن الشهداء، شهداء المقاومة الإسلامية. البقاع الذي صنعت منه عائلتي وأجدادي صفحات من الفخر والكرامة.

في هذه المنطقة تعلمت معنى الشجاعة والصمود. تعلمت أن الشجاعة ليست في الهروب من الحقيقة، بل في مواجهتها بكل جرأة وقوة.

أنا أمل سيف الدين، صحافية من البقاع، درست الصحافة لأغير الصورة السوداوية التي تُلصق بمنطقتي. فعلى الهوية، أنا ابنة عبد الإله، ولكنني في الفعل ابنة البقاع ولبنان والوطن. وكانت رحلتي صعبة، لكنني كنت مصممة على أن أُسمع صوت البقاع الحقيقي.

البقاع هو أرض الشهداء، أرض البطولات والتضحيات. عندما نتحدث عن البقاع، نتحدث عن رجال ونساء ضحوا بحياتهم من أجل كرامة ووطنية لبنان. نتحدث عن الأبطال الذين استهدفهم الجيش الإسرائيلي بوحشية، لكنهم لم يركعوا.

فكم كان لي شرفٌ عظيم أن أكتب الخبر بيدي عن استشهاد شهداء البقاع، شهداء المقاومة والكرامة، الذين استهدفهم الاحتلال "الإسرائيلي" وهم يدافعون عن الوطن والأمة. كصحافية من البقاع، كنت دائمًا أعيش مشاعر مختلطة من الفخر والحزن، الفخر بتضحيات هؤلاء الأبطال، والحزن على فقدانهم.

لقد كان لي شرفٌ خاص أن أكتب عن الشهيد القائد فؤاد علي شكر، الذي ضحى بحياته من أجل كرامة لبنان والأمة. فكانت كلماتي تحمل دموعًا ودماءً، كنت أعيش كل حرفٍ أكتبه، كل كلمةٍ كانت تنبض بالحياة، تجسد روحه القوية وتضحياته العظيمة.

وأيضًا، استشهاد صديقنا العسكري في الجيش اللبناني عبد الكريم المقداد كانت لحظة صعبة لكنها ملهمة. كنت أعرفه شخصيًا، وكان مثالًا للشجاعة والتفاني. كتبت عنه بقلب مليء بالألم والفخر، محاولًة أن أنقل للعالم قصة شابٍ عاش من أجل وطنه ومات من أجله تاركاً وراءه طفلاً صغيراً لم يرى ولاده وعاش اليتم في وقت مبكر.

وكم كان هناك الكثير والكثير من الشهداء، الذين حملوا على عاتقهم حماية هذه الأرض. كنت أشعر أنني مدينة لهم، مدينة بأن أروي قصصهم بشغف وصدق، أن أكون الجسر الذي ينقل للعالم تضحياتهم وبطولاتهم.

أذكرمنهم الشهيد القائد عباس الموسوي، الذي كان رمزًا للصمود والمقاومة، استهدفه الجيش الإسرائيلي في محاولة لكسر إرادة المقاومة، لكنه أصبح رمزًا للثبات والإصرار. هذا البطل وغيره من شهداء البقاع، جعلوا من هذه الأرض رمزًا للعزة والكرامة.

فالكتابة عن هؤلاء الشهداء لم تكن مجرد وظيفة بالنسبة لي، بل كانت رسالة، رسالة حب ووفاء للأبطال الذين صنعوا تاريخ البقاع ولبنان والأمة بدمائهم. كنت أعيش كل لحظة من تلك اللحظات، أستشعر كل نبضة في قلبي وأنا أكتب عنهم، وأعلم أنني أساهم في تخليد ذكراهم في قلوب الناس.

وفي الختام، لا يسعني إلا أن أعبر عن فخري واعتزازي بأنني ابنة هذه المنطقة التي ترفرف فيها أرواح الشهداء. نحن، أبناء البقاع، ربينا على حب الوطن والكرامة والعزة، وعلى حب المقاومة. ففي كل زاوية من زوايا البقاع، نشعر بروح التضحية والفداء، ونشعر بعزيمة لا تُقهر وإرادة لا تنكسر. هذه هي البقاع، وهذه هي قصتنا. قصة كرامة وصمود، قصة حب لا ينتهي للأرض والوطن.