اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


أدرك أنطون سعادة باكرا خطورة ضياع الهوية على وحدة الامة ووحدة المجتمع ووحدة الوطن، لذلك كتب العقيدة القومية الاجتماعية المشتملة على المبادئ الأساسية التي على أساسها كتب المبادئ الإصلاحية والنظرة الجديدة الى الحياة والكون والفن. وأيضا أدرك أهمية وحدة الاتجاه ووحدة العمل حيث قال: "إن انشاء المؤسسات ووضع التشريع هو أعظم أعمالي بعد تأسيس القضية القومية لأن المؤسسات هي التي تحفظ وحدة الاتجاه ووحدة العمل وهي الضامن الوحيد لاستمرار السياسة والاستفادة من الاختبارات".

تفتقد الامة في هذه اللحظات المصيرية الى وحدة الاتجاه ووحدة العمل والمؤسسات الضامنة لاستمرار السياسة والاستفادة من الاختبارات.

أفقدنا غياب وحدة الاتجاه معرقة تحديد الهوية والتشخيص، تحديد الأعداء والأصدقاء، كيفية قراءة التاريخ، الايمان بالنظرة الواحدة الى الحياة والكون والفن.

فالهويات في بلادي على عدد الطوائف والمذاهب والعشائر والأتنيات، والأقليات والأكثريات، والتشخيص على عدد المشارب الإقليمية والدولية، ويخضع تحديد الأصدقاء والأعداء لمنطق المرجعيات والرعايا وما اكتسبناه من عادات وتقاليد تحدد معنى الكرامة والشرف على طريقة العشائر والأقليات وليس الامة الواحدة، ومشكلة المشاكل التي فرضها غياب وحدة الاتجاه هي مشكلة قراءة التاريخ، فكل فئة تقرأ التاريخ على طريقتها وليس على منهج البحث التاريخي ومصلحة الامة فوق كل مصلحة. إن غياب وحدة الاتجاه أعطى فرصة الاستقلال لكل الجماعات الوافدة الى بلادنا فشعرت كل أقلية وفدت الى سورية هربا من مظلومية أو مذبحة أو حرب إبادة أنها أمام فرصة تكوين كيانها الخاص بها، وشعرت كل الفئات التي لم تكن مشمولة ببركة الأمة العربية واللغة العربية أنها أمام فرصة قيام كيانا خاصا بها.

إن فقدان وحدة الاتجاه أنتج فقدان وحدة العمل.

نظرة سريعة الى أوضاع بلادنا في هذه اللحظة المصيرية نكتشف كم هو خطير غياب وحدة الاتجاه.

فبلادنا منذ خرجت من البراد العثماني الى الفريزة الغربية وهي تعيش أوضاع الاتجاهات المتناقضة المعطلة لتوليد حيوية قوية للأمة. واليوم تظهر تأثيرات هذه الفريزة وهذا البراد بشكل واضح على الاتجاهات في الامة.

فكل فئة تنظر الى حاضنتها على أنها المرجعية الأخيرة لقرارها مما ا فسح المجال للتدخل الأجنبي من جميع الجهات، والى نشوب حروب داخلية تحفر خنادق جديدة قي الاتجاهات المتعاكسة. لم يكن في الامة وحدة اتجاه ووحدة عمل حين خسرنا الأجزاء المغتصبة، ولم تكن في اتجاه واحد حين خسرنا حروبنا في فلسطين، ولم تكن اتجاها واحدا حين تعرضت للغزو الأمريكي للعراق ولمعارك اسقاط مفهوم الدولة في الشام وفي لبنان الذي يفتقد الى مفهوم الدولة منذ أصبح كيانا مستقلا.

لم نكن اتجاها واحدا حين احتلت دولة العدو جزءا من الجنوب اللبناني ولا حين اجتاحت لبنان ووصلت الى بيروت ولا حين انسحبت من بيروت والجبل ومن ثم من معظم الجنوب، لم نكن اتجاها واحدا في حرب 2006 ولا في الحروب التي شنها العدو على قطاع غزة ولا حربه اليومية على الشعب في القدس ونابلس والضفة الغربية وكل فلسطين.

اليوم ونحن نواجه حلقة جديدة من مسلسل حرب الإبادة في فلسطين لا تقف الامة اتجاها واحدا يُترجم بموقف واحد.

لم يخجل اصحاب الاتجاهات المشبوهة من الحديث عن موقف الحياد، الذي يشبه موقفهم من الحرب الكونية على الشام، ولم يخجل معظمهم من مهاجمة المقاومة والحديث عن توريط لبنان في حرب لا ناقة ولا جمل له فيها، وأظهر بوقاحة ما بعدها وقاحة أنه لم يعد يرغب بالعيش في وطن واحد مع الفئات الأخرى لأنها لا تشبهه، واسترسل بعضهم للحديث عن مواجهة عمرها 1400 سنة وبعضهم أظهر تسامحه لأنه لم يُبد الفئات الأخرى منذ 1400سنة ونشط بكل الاتجاهات أصحاب مشروع الفيدرالية في لبنان، وبعضهم من أمثال شارل جبور تحدث عن نتنياهو وكأنه صديق وليس عدو وأكد على حتمية انتصار العدو ورفض تمزيق علم العدو وصورة نتنياهو، وبعضهم من أمثال زينة منصور عضو الهيئة العامة للمؤتمر الدائم للفيدرالية وتقسيم لبنان الى أربع مقاطعات، والبلد لا يشبهها. ولا ننسى القامات المشبوهة أمثال سمير جعجع وسامي الجميل وكميل شمعون والوافد السياسي الجديد بهاء الحريري ونواب المعارضة من جماعة جمعيات المجتمع المدني، حتى وئام وهاب أصبح بحاجة الى تحقيق دولي بمجزرة مجدل شمس.

اليوم ونجن نواجه حربا لا مثيل لها في التاريخ، وفاقت وحشيتها القنبلة الذرية ،نجد اتجاهات في الامة تتعاون مع العدو وتسانده وتمنع أي حراك ضده، ونجد عالم عربي يقف متفرجا على حرب الإبادة وكأنه غير معني بهذه المجزرة البشعة، لقد فضّل أصحاب هذه الاتجاهات الحفاظ على عروشهم وألقابهم على حساب مصالح الأمة.

لأننا ندخل الحرب ونحن نحيا في مجتمع متعدد الإتجاهات، فإننا سنختلف على نتيجتها كما حصل في حرب تموز 2006. ففي حال النصر الذي سيكون للأمة سيعتبر أصحاب الاتجاهات المشبوهة أننا لم ننتصر ودليلهم الخسارات المادية والبشرية، لكنهم فعلا يخسرون لأنه فاتهم انشاء المقاطعات الأربع، وفي حال الهزيمة ستهزم الامة وسينتصر أصحاب الاتجاهات المشبوهة الى حين يأتي دور الدب الأسود الذي سيعلم متأخرا انه أُكل يوم أُكل الثور الأبيض.

أن تعدد الاتجاهات الخطيرة في المجتمع السوري يجعل الصراع الداخلي يساوي الحرب الخارجية على الأمة، لأنه لا يمكن للأمة ان تسجل انتصارا مفصليا وحاسما على العدو إذا لم تستطع الانتصار على الاتجاهات المشبوهة وعلى الذين قال عنهم أنطون سعادة أنهم يهود الداخل.

علينا ان لا نتهاون في الصراع الداخلي لأن الانتصار في هذا الصراع الطريق الوحيدة لتحقيق المبادئ الأساسية والشروع بتنفيذ المبادئ الإصلاحية وتركيز قاعدة انطلاق نظرة سعاده الى الحياة والكون والفن.

وحدة الاتجاه تحقق وحدة العمل وتضمن استمرار السياسة والاستفادة من الاختبارات.