اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


 

اقتحم رفيقي وحدتي، جلس أمامي غاضبا، قال كلاما بعينيه، بيديه، بلون وجنتيه، أفرغ غضبه بضجيج لم أسمعه، لم أفهم منه كلمة واحدة، وصلتني رسالته، وصلني عتابه، وقبل أن أنطق بكلمة واحدة، غادر وأخذ معه أجوبتي.

رفيقي لا يعرف كيف يحقد، لكنه يعرف كيف يغضب، كيف يعاتب، وكيف يلوم.

أعادتني عيناه الى زمن تعاهدنا فيه على البقاء معا حتى الانتصار وأكدت له انه آت بعد عبور القمة الأولى، أعادني لون وجنتيه الى ذاك الحماس الذي لم يفارقنا إلا عندما فرّقتنا وحشة الطريق، ذكّرني بيديه بلون العرق الذي يشبه لون التراب.

لم يكن رفيقي طيب القلب، ولم يكن طريا، لم يكن يهادن ولا يساير، كان يقول كلمته ولا يمشي بل يبقى الى حين البت بأمرها.

كان يخاف عليّ من الخيبة، ومن سقوط الرفقة في مصب حصاد مواسم الرزق الفردية. كان يفرح حين يسمعني، يُسعده حماسي، تدغدغه ثقتي، معي يشعر ان بينه وبين بعث النهضة خطوات إن مشيناها نصل باكرا قبل غياب الشمس وهبوط العتمة على زمن الأمة.

لم يكن يرانا حزمة من القضبان مربوطة بخيطان من القنب، كان يرانا جذع شجرة عمرها من عمر الامة عصت على عوامل الطبيعة وأمراض العواصف، وبقي جذعها يحمل أغصانها ولم يشك مرة واحدة من التعب ولا من سوء الزمن، وتتجدد أغصانه وأوراقها بعد كل خريف وشتاء. لذلك لم يصدق عندما افترقنا وأصبح كل واحد منا يغني على ليلاه وليلى التي جمعتنا مخطوفة تعيش في زنزانة عبثت بها الأقدار، فصارت تنتظر شُهب غيمة يعيدها الى حركة الحياة.

نحن انكسرنا يا رفيقي حين انكسرت الصورة، وأصبحنا كصور لعبة البازل المخصصة للكبار، يتحطم بعضنا، ويخرج من مشروع تركيب الصورة بعضنا، وقلة قليل تحاول إعادة الصور وتركيب صورة البازل ولا تسأل عن الثمن.

أنا مكسور مثلك وتزورني الخيبة كلما سمعت ضجيج الفوضى، وأنهض من جديد حين أرى الصورة وأتذكر ان بين الشهيق والزفير مسافة حياة لا تموت مهما تراكمت الخيبات.

ما أكثر الضجيج وما أقل المؤمنين، لم نعد نحن منذ أصبح ديكنا يرقص على أصوات صيصان المنابر، نحن التقيتنا يا رفيقي دون موعد وافترقنا دون موعد، كنا نعرف لماذا التقينا ونتصارح، وعرفنا لماذا افترقنا لكننا لم نتصارح، لذلك كان الفراق مرضا وكان اللقاء علاجا.

لم يكن يعلم رفيقي ان بين تسلق الدرج الى الطوابق العليا في المدن المزدحمة بالمتسلقين ومزارعي البساتين وحقول القمح مسافة شبر ان قطعناها غربا ركضنا على الأدراج وان قطعناها بعرق الجبين تمرمغنا بتراب العطاء.

لم يكن يعلم ان بين البّناء والبناء علاقة لا تشبه العلاقة بين البناية وتاجر العقارات.

ما اكثر تُجّار العقارات في بلادي وكم هو قليل عدد البنّائين.