اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

كتبت صحيفة فايننشل تايمز مقالا بعنوان "ماسك صاروخ جيوسياسي غير موجه". وجاء في المقال التالي:

رغم ان نفوذ ايلون ماسك بدأ يظهر من اوكرانيا الى الصين فانه لا يزال يفتقر الى القدرة على سن القانون فضلا ان  الشركات الكبرى عادة تتجنب وكذلك المليارديرات الخوض في الجدل السياسي, وفي حال مارسوا السلطة فيفضلون القيام بذلك في الخفاء. 

ايلون ماسك مختلف. في الاسابيع الاخيرة, أيد دونالد ترامب واجرى مقابلة معه على منصة "اكس", وهي منصة التواصل الاجتماعي التي يمتلكها. كما انه منخرط في نزاع عام مرير مع المحكمة العليا في البرازيل, التي حظرت منصة "اكس" الاسبوع الماضي. وقد ادعى ماسك مؤخرا ان الحرب الاهلية حتمية في بريطانيا, وعلق على اعتقال بافيل دوروف, مؤسس تطبيق "تيليغرام" في فرنسا, بتغريدة يقول فيها :"وجهة نظر: انه في عام 2030 في اوروبا وانت تعدم بسبب اعجابك باحدى الميمات (رموز تعبيرية في رسالة عن حالة معينة)."

ان ملكية منصة "اكس" قد منحت ماسك منبرا ضخما لبث ارائه لكن التركيز على منصته الاجتماعية يحجب المدى الحقيقي لمصدر قوته الجيوسياسية. ذلك ان السيطرة على "سبيس اكس", "ستارلينك" و"تسلا" هي التي منحت ماسك دورا محوريا في الحرب في اوكرانيا وايضا في التنافس المتزايد بين الولايات المتحدة والصين: وكذلك دورا غير مباشر في الحرب على غزة.

وفي هذه الصراعات, يكون دور ماسك اكثر غموضا مما هو عليه في حروب الثقافة الغربية. فان تدخلاته غير المتوقعة الى جانب قوته التكنولوجية والمالية الهائلة تجعله "صاروخا جيوسياسيا غير موجه", حيث يمكن لنزواته ان تعيد تشكيل الشؤون العالمية.

عندما شنت روسيا غزوها الواسع النطاق لاوكرانيا عام 2022, كان احد اهدافها الاولى هو قطع الوصول الى الانترنت. ولكن وعبر تزويد اوكرانيا ب "ستارلينك", وهي خدمة الانترنت عبر الاقمار الصناعية الخاصة بايلون ماسك, ابقى الاخير القوات المسلحة الاوكرانية قادرة على الاستمرار في القتال في لحظة حرجة.

مع ذلك, وفي وقت لاحق من الصراع, اختار ماسك تقييد الوصول الاوكراني الى "ستارلينك" لمنع محاولة للهجوم على القوات الروسية في شبه جزيرة القرم. وهنا قال ماسك انه اتخذ هذا القرار لتجنب نشوب حرب عالمية ثالثة انما ادى هذا الاجراء الى جانب دعمه لخطة سلام تضمنت بعض المطالب الروسية الى تراجع شعبيته في كييف, علما ان وجهة نظر ادارة بادين تلاقت مع موقف ماسك حول المخاطر الكبيرة بوقوع حرب عالمية ثالثة.

اما التباين في المواقف بين ماسك والحكومة الاميركية كان حول الصين. بيد ان افتتاح مصنع "تسلا" الضخم في شنغهاي عام 2019, اعتبرته واشنطن انه انتكاسة كبيرة لهدف اميركا في التفوق على الصين في التقنيات الرئيسية للمستقبل. وتجدر الاشارة الى ان الصين تعد اليوم المنتج الرائد للسيارات الكهربائية في العالم, بينما يعتقد المسؤولون الاميركيون ان الشركات المصنعة الصينية تعلمت من شركة "تسلا" واحيانا سرقت منها مقومات مهمة وفريدة في صناعة السيارات الكهربائية. اما مصنع شنغهاي اصبح ينتج الان اكثر من نصف سيارات تسلا المصنعة عالميا.

في سياق متصل, يبدو ان رئيس وزراء "اسرائيل" بنيامين نتنياهو قد فهم اسلوب ماسك. اولا , تم اتهام ماسك بالترويج لنظريات معادية للسامية على منصة "اكس", لكن اقتراح ايلون ماسك بتوفير خدمة "ستارلينك" للمنظمات الانسانية في غزة هو ما اثار قلق الحكومة "الاسرائيلية" فعلا والتي زعمت ان هذا الامر سيساعد حماس. انما بعد زيارة ماسك ل "اسرائيل" العام الماضي, وافق على انه سيشغل "ستارلينك" في غزة فقط  بعد موافقة الدولة العبرية.

من جهة اخرى, تعرب ادارة بايدن عن عدم ارتياحها تجاه العديد من انشطة ماسك غير انه في الوقت ذاته تمتلك شركاته قدرات تكنولوجية تفتقر اليها حتى الحكومة الاميركية. هذا الواقع جعل البنتاغون مضطر للتعاقد مع "ستارلينك" للحفاظ على التواصل مع اوكرانيا. علاوة على ذلك, وعندما تريد "ناسا" نقل رواد الفضاء من والى محطة الفضاء الدولية, فان "سبيس اكس" هي التي تجعل ذلك ممكن وهي شركة تابعة ايضا للميلياردير ايلون ماسك.

انطلاقا من الامثلة التي ذكرت اعلاه, ليس مفاجئا ان يتحدث ماسك ويتصرف في كثير من الاحيان كما لو انه اكثر قوة من اي حكومة في العالم, فكلامه وممارساته قد تكون صحيحة في بعض النواحي.

في الوقت ذاته, لا تزال الحكومات تحتفظ بسلطة اساسية بعيدة عن متناول ماسك: وهي القدرة على صنع القانون وتنفيذه. والصراع بين البرازيل و"اكس" واعتقال مؤسس تيليغرام" دوروف في فرنسا كلاهما اشارات واضحة الى ان عصر الحصانة لوسائل التواصل الاجتماعي يقترب من نهايته في العالم الديمقراطي.( لم يكن موجودا ابدا في العالم الاستبدادي).

من هنا, بات مرجحا وبشكل متزايد ان يتم تنظيم شركات وسائل التواصل الاجتماعي على غرار شركات الاعلام التقليدية, وهذا له تداعيات مالية كبرى.

في العام الماضي, اضطرت قناة "فوكس نيوز" لدفع 787.5 مليون دولار لشركة "دومينيون فوتينغ سيستم" لتسوية دعاوى تشهير ناجمة عن تقارير "فوكس نيوز" حول نظريات المؤامرة المتعلقة بالانتخابات الرئاسية لعام 2020.

ومنصة "اكس" مليئة بنظريات المؤامرة حيث بعضها يروج لها ماسك بنفسه. وعلى الرغم من كل ثروته وتألقه الذي لا شك فيه كمهندس ورجل اعمال مميز, سيظل ماسك خاضعا لقوانين البلدان التي يعمل فيها. وقد يكون هذا الادراك المبكر هو السبب وراء هجماته الغاضبة المتزايدة ضد البرازيل وبريطانيا والاتحاد الاوروبي وولاية كاليفورنيا او اي شخص اخر يجروء على الوقوف في طريقه.

في نهاية المطاف, "اكس" ليست مصدر قوة ايلون ماسك لكنها قد تكون المطان الذي تحد فيه قوته.


الأكثر قراءة

"Soft landing" فرنجية : فتّش عن المحيطين "كفانا خسارة"! جنبلاط نسق مع بري وقطع الطريق على جعجع القوات تنتظر بري وناقشت كلّ الخيارات منها المقاطعة