اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

انتهت صلاحية كل تعابير الصبر، وما عادت مفردات اللغة تحمل معاني ما يحصل في فلسطين، انتهت صلاحية التعابير التي تتحدث عن البطولات التي حصلت في تاريخ الأمة والعرب، انتهت صلاحية التعجّب من معارك الإبادة في التاريخ، وجاء من جعل الناس تترحم على نيرون وهتلر ووحوش الغرب التي أبادت الهنود الحمر.

للتاريخ خنساء واحدة، ولفلسطين المئات منها، للتاريخ خنساء بلغت من العمر نصف قرن وأكثر ولفلسطين كل يوم خنساء بلغت من العمر بضع سنوات وبضع عقود. للتاريخ خنساء فقدت أولادها في المعركة ولفلسطين كل يوم خنساء فقدت أولادها وزوجها وإخوتها وبيتها وكل ما يربطها بالحياة.

خنساء فلسطين ليست كبقية النساء.

خنساء فلسطين مشنشله بقلادة مواقف العز وخلاخل العظمة، وترتدي عباءة الكرامة المطرزة بخيوط غصون الزيتون العاصية على ظُلم الأباطرة وقهر الزمان.

خنساء فلسطين طفلة ترى غزة قطاعا ليس من هذا العالم، وترى فلسطين جوهرة خلف القمر يطوق عنقها ذاك الوحش الحاجب لضوء القمر وتنتظر الخلاص.

خنساء فلسطين صبية كانت تزور فلسطين قبل الطوفان مع زوجها ورفضت الخروج من قطاع غزة رغم مغريات الرحيل، وبقيت بعد ان غادر القطاع زوجها الأجنبي وهي تستشهد مع كل مجزرة ومذبحة واستشهاد طفل وطفلة، سيدة فقدت زوجها وأولادها وأحفادها وما زالت ترفض الرحيل، أم تناولت طعام الغداء مع ابنها وخرجت من الغرفة للحظات فجاء الصاروخ واستشهد كل أفراد العائلة وبقيت وحيدة.

لم يسبق في التاريخ ان وقف العالم كله يتفرج على ارتكاب حرب إبادة، ولم يسبق في التاريخ ان ذوي القربى يلطخون أياديهم بدماء أنسبائهم. نحن نعلم انه يمكن لذوي القربى ان يتقاتلوا ويقتل بعضهم بعضا طمعا في السلطة، وقد نقرأ ان ذوي القربى استنجدوا بالغرباء للوصول الى السلطة، ولكن لم نقرأ أنهم وقفوا يسترقون السمع لنهاية الاخوة بنار الأعداء.

خنساء فلسطين لا تقول آه ولا تصرخ آخ، بل تقول هذا القليل من أجل فلسطين عندما ترى أطفالها مع أترابهم يسبحون في بحر من الدم.

من شهيق وزفير خنساء فلسطين سيتنشق النبت الصالح نسيم صبح الزمن التالي، من ضفائر شعرها ستكون زينة صبايا الزمن التالي. من لون وجنتيها سيرسم الفنانون لوائح إبداع الزمن التالي، من لون دموعها المسجونة بين قضبان مشاعرها ستتدفق سواقي الينابيع لتُلبس السهول اللون الأخضر والجبال والتلال اللون البنفسجي وأحواض الياسمين الألوان الزاهية. 

الأكثر قراءة

حزب الله يُحذر من الخروقات «الإسرائيليّة»: للصبر حدود الجولاني مُستقبلا جنبلاط: سنكون سنداً للبنان