اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


شهد لبنان، بلد الأرز الشهير، تزايدًا مقلقًا في الجرائم البيئية، والتي تتفاقم بشكل خاص مع اقتراب فصل الشتاء. ففي الوقت الذي تستعد فيه الطبيعة لدخول مرحلة سبات، تشهد الغابات اللبنانية حملات قطع أشجار واسعة النطاق، تتخطى حدود القانون وتتحدى جهود الحفاظ على البيئة.

تتعدد الأسباب التي تدفع إلى هذه الجرائم البيئية المتفاقمة، والتي تشمل الضغوط الاقتصادية، والطلب المتزايد على الحطب للتدفئة، والاستغلال غير المشروع للأراضي، فضلاً عن ضعف الرقابة والإنفاذ. ففي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها لبنان، يلجأ الكثيرون إلى قطع الأشجار كمصدر للرزق أو للتدفئة، دون إدراك للعواقب الوخيمة التي قد تترتب على هذه الأفعال.

وتتعدى آثار هذه الجرائم البيئية التدمير المباشر للغابات، لتشمل تهديدًا حقيقيًا للتوازن البيئي، وتأثيرًا سلبيًا على المناخ، وتقويضًا لجمال الطبيعة اللبنانية. فقطع الأشجار يؤدي إلى تآكل التربة، وزيادة خطر الفيضانات والانهيارات الأرضية، وتدهور جودة الهواء، فضلاً عن فقدان التنوع البيولوجي الذي تتميز به الغابات اللبنانية.

إن استمرار هذا الوضع على حاله يشكل تهديدًا وجوديًا للغابات اللبنانية، والتي تعد رئة لبنان الأخضر ومصدرًا هامًا للأكسجين والتنوع البيولوجي. كما أنه يهدد بتحويل لبنان من بلد يتمتع بجمال طبيعي خلاب إلى بلد قاحل يعاني من التدهور البيئي.

استهداف الأشجار المعمرة

في حديث خاص لـ"الديار"، حذر الخبير البيئي البروفيسور ضومط كامل من تزايد ظاهرة قطع الأشجار بشكل مقلق في لبنان، لاسيما في مناطق وادي نهر إبراهيم، البقاع، وسلسلة جبال لبنان الشرقية والغربية. وأشار إلى أن هذه الجريمة بدأت مبكراً هذا العام، بهدف تأمين الحطب لفصل الشتاء.

وأعرب  عن قلقه إزاء استهداف الأشجار المعمرة والنادرة، مثل اللزاب والشوح، في مناطق مثل جبال القموعة والعاقورة. وأكد على أهمية هذه الأشجار لدورها الحيوي في الحفاظ على التوازن البيئي، حيث تعمل كخط دفاع أول لحماية المزروعات من الحرارة والجفاف، وتساهم في زيادة الرطوبة في الجو.

وحذر  "كامل"من الآثار السلبية لقطع الأشجار على البيئة، خاصة في ظل التغيرات المناخية وتأثيرات الاحترار العالمي. وأكد على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة من قبل الأجهزة الأمنية والجهات المعنية لوقف هذه الممارسات غير المشروعة، وتطوير استراتيجيات شاملة للحفاظ على الغطاء الأخضر في لبنان.

آثار قطع الأشجار السلبية على البيئة في لبنان

تتعدى آثار قطع الأشجار في لبنان حدود التدمير المباشر للغابات، لتشكل تهديدًا وجوديًا للنظام البيئي بأكمله، وتؤثر بشكل سلبي على حياة الإنسان والطبيعة على حد سواء. إليك بعض الآثار السلبية الرئيسية لقطع الأشجار في لبنان:

- تآكل التربة: يؤدي قطع الأشجار إلى تعريض التربة للتعرية بفعل الرياح والأمطار، مما يؤدي إلى فقدانها لخصوبتها وتدهور جودتها. هذا بدوره يزيد من خطر حدوث الفيضانات والانهيارات الأرضية، خاصة في المناطق الجبلية.

- تغير المناخ المحلي: تؤدي الغابات دورًا حاسمًا في تنظيم المناخ المحلي، حيث تساعد في امتصاص ثاني أكسيد الكربون وتنقية الهواء. قطع الأشجار يؤدي إلى زيادة تركيز غازات الاحتباس الحراري في الجو، مما يساهم في تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة.

- فقدان التنوع البيولوجي: تعتبر الغابات موطنًا لعدد كبير من الأنواع النباتية والحيوانية. قطع الأشجار يؤدي إلى تدمير هذه الموائل الطبيعية، مما يهدد العديد من الأنواع بالانقراض وفقدان التنوع البيولوجي الذي يميز لبنان.

- جفاف الأنهار والمجاري المائية: تساهم الغابات في تغذية المياه الجوفية والحفاظ على مستوى المياه في الأنهار. قطع الأشجار يؤدي إلى تقليل كمية المياه المتاحة، مما يؤثر في الزراعة والصناعة والإمدادات المنزلية.

- زيادة التصحر: يعتبر قطع الأشجار أحد الأسباب الرئيسية للتصحر، حيث يؤدي إلى تحول الأراضي الخصبة إلى أراضٍ قاحلة غير صالحة للزراعة.

- تأثير سلبي في السياحة: تعتبر الغابات اللبنانية أحد أهم مقومات السياحة البيئية في البلاد. قطع الأشجار يؤدي إلى تدهور المناظر الطبيعية وتقليل جاذبية لبنان للسياح.

وبحسب الخبير البيئي، لتحقيق تقدم ملموس في حماية الغابات اللبنانية، يتطلب الأمر تضافر الجهود وتنفيذ مجموعة من الحلول الشاملة والمتكاملة، والتي تشمل ما يأتي:

- تعزيز الرقابة وتطبيق القانون: يجب تشديد الرقابة على الغابات وتطبيق القوانين البيئية بصرامة، مع فرض عقوبات رادعة على المخالفين. كما يجب توفير الإمكانات اللازمة لقوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني لمكافحة قطع الأشجار غير المشروع.

- تشجيع الزراعة المستدامة والبدائل البيئية: يجب تشجيع المزارعين على تبني ممارسات زراعية مستدامة تحافظ على التربة والمياه، وتوفير بدائل بيئية للخشب مثل الطاقة المتجددة ومواد البناء الصديقة للبيئة.

توفير فرص عمل بديلة: يجب العمل على خلق فرص عمل بديلة للسكان المحليين الذين يعتمدون على قطع الأشجار كمصدر للرزق، من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في القطاعات الزراعية والسياحية والحرفية.

- الاستثمار في البنية التحتية: يجب الاستثمار في البنية التحتية الريفية، مثل الطرق والكهرباء والمياه، لتشجيع التنمية المستدامة في المناطق الريفية وتقليل الضغط على الغابات.

- التوعية البيئية: يجب إيلاء أهمية كبيرة للتوعية البيئية، من خلال حملات إعلامية واسعة النطاق تستهدف جميع شرائح المجتمع، وتشمل المدارس والجامعات والمنظمات الأهلية.

- المشاركة المجتمعية: يجب تشجيع المشاركة المجتمعية في حماية الغابات، من خلال إنشاء لجان محلية لحماية الغابات، وتنظيم حملات زراعة الأشجار، وتنظيف الغابات.

- التعاون الدولي: يجب تعزيز التعاون الدولي في مجال حماية البيئة والغابات، من خلال تبادل الخبرات والتكنولوجيا، وجذب الاستثمارات الأجنبية للمشاريع البيئية.

- دعم البحث العلمي: يجب دعم البحث العلمي في مجال إدارة الغابات وإعادة تأهيلها، وتطوير تقنيات جديدة لحماية الغابات ومكافحة الحرائق.

إن تحقيق هذه الأهداف يتطلب تضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، والعمل معًا من أجل مستقبل مستدام للبنان.

الأكثر قراءة

«حبس انفاس» بانتظار نتائج الانتخابات الأميركيّة والردّ الإيراني صمود المقاومة براً يضع حكومة العدو أمام خيارات «أحلاها مرّ» قائد الجيش «مُستاء» ويكشف معطيات عن الإنزال: تعرّضنا للتشويش