مع اندلاع الحرب بين حزب الله و"إسرائيل"، أدى النزوح القسري لأكثر من مليون وأربعمائة ألف شخص من جنوب لبنان والضاحية الجنوبية والبقاع إلى واقع إنساني مليء بالتحديات. في ظل هذا النزوح الجماعي، تتسابق الجمعيات والمؤسسات الخيرية لتقديم المساعدات الغذائية للنازحين. ولكن، هل تأخذ تلك المساعدات في الحسبان الفروق الصحية بين الأفراد؟ وهل يتم التعامل مع التحديات الصحية المعقدة، مثل حساسية الطعام والأمراض المزمنة بالشكل المطلوب؟
تظهر تساؤلات مشروعة حول كيفية ضمان أن الوجبات المقدمة تراعي احتياجات الأفراد الصحية، لا سيما أن إهمال هذه الجوانب قد يؤدي إلى مآس صحية جسيمة. على سبيل المثال، الأشخاص الذين يعانون من حساسية تجاه أنواع معينة من الطعام، مثل الفستق أو الغلوتين، يواجهون خطرا كبيرا قد يصل إلى الموت إذا لم يتم الانتباه إليهم. هؤلاء الأشخاص، شأنهم شأن مرضى السكري وارتفاع ضغط الدم، لذلك يجب أن تُعامل احتياجاتهم الصحية بجدية تامة.
وفي سياق هذا التهجير الاجباري لمئات الآلاف من اللبنانيين، ارتفعت الأصوات المطالبة بتحسين جودة المعونات الغذائية المقدمة للمهجرين. لكن، على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الجمعيات والمؤسسات الخيرية، يبدو أن هناك تقصيرا في مراعاة الفروق الصحية للأفراد، خاصة في ما يتعلق بحساسية الطعام والأمراض المزمنة. وفي هذا الإطار، علمت "الديار" أن بعض النازحين تعرضوا لوعكات صحية شديدة بعد تناول وجبات لا تناسب حالتهم الصحية، مثل تناول أطعمة تحتوي على مكونات تسبب الحساسية أو أطعمة غير ملائمة لمرضى السكري ومرضى السيلياك.
انطلاقا من كل ما تقدم، أجرت "الديار" مقابلات مع عدد من النازحين الذين أكدوا أن الوجبات المقدمة غالبا ما تكون عشوائية وغير مدروسة من حيث مكوناتها. يقول أحد النازحين، الذي يعاني من حساسية الفستق، إنه تعرض لنوبة حساسية حادة بعد تناول وجبة تحتوي على المكسرات دون أي تحذير مسبق. تثير هذه الحالات تساؤلات حول مدى وعي الجمعيات بأهمية جمع معلومات دقيقة عن هؤلاء قبل توزيع الطعام.
في المقابل، أشار عدد من مسؤولي الجمعيات إلى أن التحديات اللوجستية وضيق الوقت يجعلان من الصعب إجراء مسوحات صحية شاملة لكل نازح. ومع ذلك، يقر هؤلاء بأهمية وضع بروتوكولات جديدة لضمان تقديم وجبات آمنة للجميع، خاصة في ظل وجود عدد كبير من الأشخاص الذين يعانون من حساسية الطعام أو أمراض مزمنة.
ومن هنا، يتضح أن تحسين نوعية المساعدات الغذائية يتطلب جهدا مشتركا بين الجمعيات والحكومة اللبنانية، لضمان توفير وجبات آمنة وملائمة للجميع، دون أن تتحول المبادرات الخيرية إلى تهديد لصحة الناس. فهل نشهد قريبا تحركا جادا لضبط هذه المسألة؟
حساسية الطعام... خطر قد يكون مميتا
من جهتها، توضح اختصاصية التغذية كريستال باشي، في حديث لـ "الديار"، "أهمية مراعاة حالات حساسية الطعام عند تقديم الوجبات الغذائية للنازحين. فالأشخاص الذين يعانون من حساسية تجاه عناصر معينة، مثل الفستق، قد يواجهون خطر الموت إذا تناولوا طعاما يحتوي على هذه المواد. مشيرة إلى أن العديد من الجمعيات والمبادرات الخيرية لا تعتمد على جمع معلومات صحية دقيقة عن النازحين قبل توزيع الوجبات. وهذا يشكل خطرا كبيرا، حيث أن وجبة بسيطة مثل الأرز بالدجاج مع المكسرات قد تكون قاتلة لشخص يعاني من حساسية تجاه الفستق".
وتؤكد ان "تجاهل الفروق الصحية بين الأفراد قد يؤدي إلى كوارث صحية، مشددةً على ضرورة تدريب الفرق العاملة في الجمعيات على التعرف على هذه الحالات الحساسة. وتضيف ان وجود توعية غذائية بين النازحين أمر بالغ الأهمية، حيث يمكن تجنب الكثير من العقبات إذا تم توجيه الناس حول كيفية التعامل مع الطعام المناسب لحالتهم الصحية".
حالات أخرى... اللاكتوز وحساسية الغلوتين
وتستكمل "إلى جانب حساسية الطعام، هناك فئات أخرى تحتاج إلى رعاية خاصة. من بين هذه الحالات، الأشخاص الذين يعانون من عدم تحمل "اللاكتوز"، حيث لا يستطيعون هضم الحليب ومنتجاته. وبالرغم من أن هذه الحالة قد تكون قابلة للتفادي، إلا أن تجاهلها قد يسبب مشكلات صحية. كما تبرز حالة مرضى "السيلياك"، الذين يعانون من حساسية تجاه الغلوتين، وهو بروتين موجود في القمح. تناول هؤلاء الأفراد لأطعمة تحتوي على الغلوتين قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطرة. وتلفت إلى أن الغلوتين موجود في العديد من الأطعمة الشائعة، بما في ذلك المعلبات، مما يجعل توفير وجبات آمنة لهؤلاء الأشخاص أمرا في غاية الأهمية".
التركيز على الحبوب وتجنب اللحوم
وتنصح "النازحين بتقليل الاعتماد على اللحوم والدجاج، وتوجههم نحو أطعمة مثل البرغل بالشعيرية، الذي يوفر قيمة غذائية جيدة. ووفق التوصيات الغذائية العالمية، ينبغي أن تحتوي الوجبة على 50% من النشويات، بينما يجب عدم تناول اللحوم أكثر من مرتين في الأسبوع، نظرا لتصنيفها كمادة مسرطنة".
التعامل مع المعلبات وتاريخ انتهاء الصلاحية
فيما يتعلق بالمعلبات، توصي باشي بضرورة غسل العبوات جيدا قبل فتحها، والتخلص من الماء الموجود بداخلها لتقليل السموم. تحتاج بعض السموم إلى درجات حرارة عالية جدا للتخلص من البكتيريا، وبالتالي تعتبر هذه الإجراءات ضرورية. أما بخصوص تاريخ انتهاء الصلاحية، توضح أن الشركات تكتب عبارة "يفضّل استهلاك المنتج قبل تاريخ معين"، مما يعني أن المنتج يكون في أفضل حالاته الغذائية قبل هذا التاريخ. لكن، هذا لا يعني أن المنتج يصبح ساما بعد تجاوزه، وهذا يُطبق على الحبوب والطحين أيضا. مثلًا، يمكن تناول علبة بازيلاء منتهية الصلاحية دون خطر، إلا إذا ظهرت رغوة داخل العبوة، مما قد يشير إلى احتمالية التسمم".
وجبات صحية تراعي الجميع
في الخلاصة، تظهر هذه الصعوبات أن تقديم الاعانات الغذائية للنازحين يجب أن يتم بعناية ووعي كاملين. اذ قد يؤدي عدم مراعاة الفروق الصحية بين الأفراد إلى نتائج كارثية؛ حيث أن تقديم وجبة لشخص يعاني من حساسية معينة قد ينتهي بمأساة. ومن هنا، يصبح من الضروري على الجمعيات والمؤسسات الخيرية التحقق من المعلومات الصحية للنازحين قبل تقديم أي قائمة، لضمان أن الدعم يأتي بحلول، لا بمآزق جديدة وان الطعام لا ينتهي في مكبات النفايات.
يتم قراءة الآن
-
من الكهوف الى الملاهي الليلية
-
ورقة الرئاسة مستورة الى جلسة الإنتخاب .. ومُرشح رابع يدخل السباق بقوة قنبلة جنبلاط تحدث "نقزة" عند جعجع وباسيل .. والثنائي مُلتزم بفرنجية حتى اشعار آخر
-
رغم المخاوف على اليمن والعراق... العين على البقاع
-
أوروبا في سوريا: شراكة مع وقف التنفيذ! هل ترفع أوروبا العقوبات عن سوريا؟!
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
10:16
قوة مؤللة من الجيش اللبناني تتوجّه من حاجز قعقعية الجسر باتجاه وادي الحجير حيث يتوغل جيش العدو الإسرائيلي
-
10:15
أهالي القنطرة وعدشيت القصير ينزحون في اتجاه الغندورية بعد توغل الاحتلال في القنطرة ووادي الحجير
-
10:14
دورية تابعة لـ"اليونيفيل" توجهت إلى مفرق القنطرة حيث تتواجد قوة "إسرائيلية"
-
10:09
عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران محسن رضائي: الشباب والشعب السوري المقاوم لن يبقى صامتاً أمام الاحتلال الأجنبي والعدوان والشمولية الداخلية لجماعة ما
-
10:09
رضائي: في أقل من عام سيعيدون إحياء المقاومة في سوريا بشكل مختلف وسيبطلون المخطط الشرير والمخادع
-
09:52
الوكالة الوطنية للاعلام: قوة من جيش العدو خطفت أثناء توغلها في وادي الحجير المواطن حسام فواز من بلدة تبنين خلال توجهه الى مركز عمله في مركز الكتيبة الاندونيسية التابعة لـ"اليونيفيل" في بلدة عدشيت القصير - قضاء مرجعيون