اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

هل هي الصدفة أن يكون الأميركيان أنتوني بلينكن وآموس هوكشتين، اللذان يقودان العملية الديبلوماسية لانهاء الحرب في لبنان وفي غزة (وأي نهاية تلك؟)، “يهوديين”؟ حتماً، لسنا ضد “اليهود كيهود”، وكانوا بيننا عبر الأزمنة، حتى ان كولونيلاً اسبانياً قاتل الى جانب الجنرال فرانكو قال لنا “لولا ايزابيلا ـ التي طردت العرب من الأندلس ـ لبويع يهودي خليفة على المسلمين” !

موقفنا ضد ذلك النوع من “اليهود”، بالتأويل الجنوني للتوراة، والذي بمؤازرة “رب الجنود” يقتل ويقتلع ويغتصب، بل ويمشي فوق جثثنا ليثأر بنا من كل أولئك الذين طالما نكلوا بآبائهم على مرّ التاريخ. هنا الغرابة الكبرى، لندعو الى عدم الذهاب بعيداً في رهاننا الساذج على رئيس أميركي أقل “اسرائيلية” من الآخر، كما لو أننا لم نلاحظ أنه منذ دوايت ايزنهاور وجون كنيدي، كل الرؤساء خراف “يهودية” في البيت الأبيض.

حتى إن “الأنبياء السبعة” الذين صاغوا الدستور الأميركي استوحوا “التوراة” في ذلك. توماس جيفرسون قال انه يستشعر دبيب الملائكة بين السطور، نحن نستشعر دبيب “الحاخامات” بين السياسات الأميركية.

كلبنانيين، لا مجال لانتظار “الثلاثاء الكبير”. أياً كان الفائز الذي يتسلم سلطاته في 20 كانون الثاني، لا بد أن يكون من الخراف اياهم. بالعين المجردة رأينا بنيامين نتياهو يجر وراءه جو بايدن. 

لبنان عند مفترق خطر. ثمة تفاعلات خطرة تحدث تحت السطح، لنسأل اذا كان هناك من أعدّ العدة، وفي رهان انتحاري لتفجير الداخل، لكي نفتح الطريق أمام دبابات يوءأف غالانت، مثلما فتحناها ذات يوم أمام دبابات آرييل شارون، وقد تحولت الشاشات (ومواقع التواصل) الى خنادق نخشى أن تنتقل الى الشوارع.

نتوقف عند كلام للفرنسي أوليفييه روا، الذي يلقي بجزء كبير من المسؤولية في صعود ذلك النوع من اليمين الى السلطة، على جهات ثابرت على الوعد (والوعيد) بازالة “اسرائيل” من الوجود، اضافة الى رفع شعارات فضفاضة بل وفارغة أخرى، لتوظفها البروباغندا في اقناع العالم بأن ما نفعله هو “ازالة من يريد ازالتنا”.

كلام منطقي، ولكن ثمة أسباباً أخرى لذلك الصعود. لنتذكر اليوم الذي اخترقت فيه رصاصة ييغال عمير رأس اسحق رابين، الذي كان يخوض مفاوضات بالغة الحساسية، يمكن أن تفضي الى السلام بين سوريا و”اسرائيل”، والدخول في واقع مختلف. آنذاك كتب المفكر ايمانويل تود “ اليوم وضع حد لحياة من كان يعمل مع شركاء عرب، لاعادة صناعة الحياة في الشرق الأوسط”...

الان، نتنياهو في ذروة جنونه وفي ذروة نرجستيه، وان كنا على بيّنة من أن رأسه سيتدحرج ذات يوم على أرض لبنان. هذا ما يحدث عادة لأولئك الذين لا يكترثون بـ”جدلية الأمكنة” ولا بـ”جدلية الأزمنة”، بعدما كنا قد قرأنا لبول كنيدي “أن من يمتطي ظهر التاريخ وظهر الايديولوجيا، انما يحفر بأسنانه الطريق الى جهنم”.

احترفنا التراشق بالتهم، لا سيما تهمة التبعية للخارج. كلنا فعلنا ذلك ودون استثناء. حيناً بدعوى حماية الذات، وحيناً للاستئثار بالسلطة، لننتقل من وصاية الى وصاية، حتى إننا أسلمنا أمرنا الى “لجنة خماسية” تختزل بأميركا وحدها لصناعة رئيس جمهوريتنا، ثم نتحدث عن الدستور. هل من دولة هناك ليكون هناك دستور؟

لنقول للقادة المسيحيين، بمن فيهم جماعة “هودي ما بيشبهونا”، كلنا في مأزق لأن لبنان في مأزق. الاحتضان العام للنازحين، وكان الاحتضان الرائع، هو المثال على “عبقرية التفاعل” ليس فقط بين الثقافات أو بين الطوائف أو بين المصالح ، انها عبقرية التفاعل بين الأحاسيس.

من هنا تبدأ الولادة الأخرى للبنان، وقبل أي شيء آخر. من الطبيعي أن يكون هناك من هو ضد هذه الحرب، بحجة أنها تفتقد الحد من المنطق ومن الأفق، كما أنه من الطبيعي أن يكون هناك من يرى أن “اسرائيل” لا بد أن تتوجه الى لبنان بعد أن تسحق المقاومة في غزة. 

هذا بات نقاشاً من الماضي وللماضي. الآن لا أميركا تستطيع وقف السياسات الهيستيرية لبنيامين نتنياهو، ولا هو يفكر بالتوقف عن صناعة الدم وصناعة الخراب. لم يعد هناك من رهان سوى على أولئك الذين يبذلون أرواحهم لحماية التراب وأهل التراب. لنقف كلنا معهم في يومياتهم البطولية. من هناك ولادة لبنان الآخر. لا من البيت الأبيض ولا من الهيكل. 

الأكثر قراءة

مقتل 10 جنود بجيش العدو في يومين... حزب الله يدفع نتنياهو الى حائط مسدود حقد «اسرائيل» الجهنمي يطال مُجدّداً الإعلاميين و«اليونفيل»