اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

لم يأتِ «لقاء بكفيا» الذي أعلنه رئيس الجمهورية الأسبق الشيخ أمين الجميّل، بعد لقائه كلّاً من الرئيس الأسبق العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة في دارته في بكفيا يوم الأربعاء، وفق المعلومات، للردّ على لقاء عين التينة الأخير، إنّما ليتكامل معه في حال بقيت الدولة اللبنانية على موقفها الرافض لأي وصاية خارجية عليها، وساهمت في نزع «السلاح غير الشرعي» في البلاد. فقد طالب بيان بكفيا بضروة تنفيذ القرار 1701، ووقف إطلاق النار، وإنجاز عملية انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة إنقاذ وطني... غير أنّه أظهر بعض التباينات في وجهات النظر، كشفت بأنّ «الوحدة الوطنية» المنشودة ليست بألف خير...

وبدا مشهد وقوف كلّ من الجميّل وسليمان والسنيورة، جنباً الى جنب، على ما ترى مصادر سياسية مطّلعة، ناقصاً على غرار ما جرى في عين التينة بعد اللقاء الثلاثي لكلّ من رئيسي مجلس النوّاب نبيه برّي، وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ورئيس الحزب «التقدّمي الإشتراكي» السابق وليد جنبلاط، الذي كان ناقصاً أيضاً، ما عرّضه للانتقادات. فلقاء عين التينة افتقر الى الطرف المسيحي، في حين افتقر لقاء بكفيا الى الطرفين الدرزي والشيعي. الأمر الذي يجعل أي من البيانين اللذين صدرا عن الاجتماعين، رغم أهمية ما نصّ كلّ منهما عليه من بنود، غير قابل للتنفيذ، كونه لا يُمثّل «الوحدة الوطنية» من خلال عدم موافقة الطوائف الأربع الأساسية على أي منهما.

وعن القول بأنّ «لقاء بكفيا الثلاثي» جاء ردّاً على «لقاء عين التينة» الثلاثي، تقول المصادر بأنّ «لقاء بكفيا» ضمّ طرفين مسيحيين للإشارة فقط في الشكل، الى أنّه كان بإمكان لقاء عين التينة أن يضمّ أحداً من رئيسي الجمهورية الأسبقين الجميّل أو سليمان، رغم التباين في المواقف، انطلاقاً من مبدأ أنّ جنبلاط هو رئيس حزب سابق. أمّا في المضمون، فقد نوّه الجميّل بموقف ميقاتي الرافض للتدخّلات الخارجية، وتأكيده على استقلالية الدولة اللبنانية. الأمر الذي طالب به المجتمعون في بيان بكفيا الذي صدر عن الاجتماع، من خلال التأكيد على الرفض القاطع لأي شكل من أشكال الوصاية الإيرانية على لبنان، والتشديد على أهمية السيادة الوطنية واستقلالية القرار اللبناني.

غير أنّ المجتمعين في بكفيا رأوا أنّ استمرار الحرب القائمة حالياً لا يحول دون انتخاب الرئيس، فقد طالب البيان بضرورة انتخاب رئيس الجمهورية من دون أي شروط أو وصاية من أي جهة كانت، مع أهمية التوافق الوطني في هذه العملية، بهدف تحقيق الاستقرار السياسي في البلاد، على أن يحصل الانتخاب تزامناً مع وقف إطلاق النار. في حين طالب بيان عين التينة بـ «رئيس وفاقي يطمئن الجميع ويُبدّد هواجسهم المختلفة»، ولكن بعد وقف إطلاق النار.

وإذ ذكّرت المصادر السياسية بأنّ حكومة السنيورة هي التي طالبت من المجتمع الدولي اتخاذ قرار أممي يُنهي الصراع الذي كان قائماً في تمّوز- آب من العام 2006 بين حزب الله والعدو «الاسرائيلي»، معلناً السنيورة آنذاك لبنان «بلداً منكوباً». فصدر عن مجلس الأمن الدولي في 11 آب القرار 1701 الذي وضع حدّاً للأعمال العدائية بين حزب الله و»إسرائيل». وساد على أثره الهدوء والإستقرار عند الحدود الجنوبية منذ ذلك الوقت وحتى 7 تشرين الأول من العام 2023. وحذّر السنيورة بعد لقاء بكفيا، من انتشار السلاح غير الشرعي في لبنان، مشدّداً على أن أي سلاح يجب أن يكون تحت سيطرة الدولة وفقاً لمضمون القرار 1701. الأمر الذي لم يشر اليه بيان عين التينة، مع اعتبار سلاح حزب الله هو للمقاومة ضدّ العدوان «الإسرائيلي». كما انتقد السنيورة «تقاعس الحكومة عن تطبيق القرار 1701 منذ البداية»، مؤكّداً على أنّه «ضروري لضمان استقرار لبنان وسلامته».

أمّا مطالبة بيان بكفيا بـ «ضرورة تطبيق خطّة إصلاح شاملة تلتزم بمعايير الكفاءة والنزاهة في إدارة المؤسسات العامة»، فتحمل وفق المصادر، نوعاً من ضرب لما ينصّ عليه اتفاق الطائف في مبدأ 6 و6 مكرّر في إدارات المؤسسات العامّة. مع العلم بأنّه يمكن اختيار الأشخاص الذين يتمتّعون بالنزاهة والكفاءة والخبرة من أي طائفة كانت، بدلاً من اقتصار الأمر على اختيارهم تبعاً لطوائفهم بغض النظر عن خبراتهم وكفاءاتهم.

من هنا، فإنّ التصريحات التي تصدر عن المجتمعين في لقاءات ثنائية أو ثلاثية في هذا الوقت الحسّاس الذي يمرّ به لبنان، مع تزايد الدعوات الى الوحدة الوطنية وتطبيق الإصلاحات اللازمة للخروج من الأزمة الراهنة، على ما أشارت المصادر، لا بدّ وأن تأخذ في الإعتبار هذه الوحدة، من خلال عدم الخوض في المواضيع الخلافية، أو التي ليست في أوانها حالياً، كونها لا تخدم سوى مخطّطات العدو. فالأولوية اليوم لوقف إطلاق النار، والشروع من ثمّ الى تطبيق القرار 1701، وإرسال الجيش الى منطقة الليطاني ليقوم بمهامه كاملة بالتعاون والتنسيق مع قوّات حفظ السلام «اليونيفيل» في الجنوب.

وكان أمل لقاء عين التينة أنّ يُشكّل خطوة أولى لإلتقاء جميع القوى والشخصيات المكونة للنسيج الوطني، للإنطلاق في مهمة إنجاز إتفاق حول ملفات عديدة، ابرزها بذل ما يُمكن من جهود لوقف الحرب ودرء الفتنة، وتطبيق القرار 1701، ومعالجة ملف النازحين، وإنجاز الاستحقاق الرئاسي، وتشكيل حكومة إنقاذ الخ... غير أنّ لقاء بكفيا لا يبدو أنّه يصبّ فعلياً في تقديم يدّ العون في هذا الاتجاه.


الأكثر قراءة

من الكهوف الى الملاهي الليلية