اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

بحكم تدرجي وبقائي في مكتب نائب المتن المحامي المرحوم اوغست باخوس لمدة اربعين سنة، تعلمت منه الى جنب المبادئ القانونية والمنطق القانوني، الحكم والعبر. ومع انني كنت اقول له دائماً انه يكثر من الامثلة الشعبية والجبلية والقروية، لأكتشف اليوم انها من اكثر الامثلة تعبيراً عن الواقع. فقد كان ينتقد الزعماء والقيمين على وضع البلد الذين يصرخون بوجه بعضهم البعض، ويرمون التهم على بعضهم، وينتقدون بعضهم... ويعطي مثلاً شعبياً حول الكلاب التي تنبح على بعضها البعض، وتقترب من بعضها وتبتعد بعد ان تصاب بالجروح. وبعد عدة ساعات تنزوي في الزوايا وتئن من الوجع والتعب.

واذا راقبنا ما يجري اليوم في لبنان، هذا البلد الجميل الذي يتمتع شعبه بالذكاء والرقي وحب الحياة، نلاحظ بالمقابل تصرفات القيمين عليه من مختلف الطوائف والمناطق والمشارب، والذين يمضون اوقاتهم في النقاشات الفارغة والإتهامات المتبادلة غير آبهين بما يجري خصوصاً من قتل وسحل وتدمير ممنهج. ويكفي ان نقرأ يومياً عن وقوع ضحايا بالعشرات، لا ذنب لهم إلا انهم ولدوا وترعرعوا في بلد كتب عليه العذاب اسمه لبنان، فنرى صورهم على شاشات التلفزة وفي الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي. وبدلاً من ان يستنفر القيمون على ما يجري، ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها، حتى ولو وصل بهم الامر الى التظاهر امام السفارات والمنظمات الدولية، نراهم يتلهون بأمور جانبية وبالنقاشات العقيمة التي لا توصل الا الى نتيجة واحدة تتمثل بزرع التفرقة والحقد والضغينة بين ابناء الوطن الواحد. وبعدها يتعبون وينزوون ويبقى البلد المجروح معذباً، ولا ينهض من كبوته إلا بعد سنوات وسنوات، هذا إذا كان بالإمكان النهوض هذه المرة بعد التدمير والنزوح في بلد شبه مفلس اساساً.

وما اخشاه ان يتوجهوا الى العقلاء لاحقاً ليسمعوا العبارة التي قالتها الاميرة عائشة لإبنها "ابو عبدالله الصغير" بعد سقوط الاندلس: إبكِ كالنساء ملكاً لم تحافظ عليه مثل الرجال.

*نقيب المحامين السابق في بيروت

الأكثر قراءة

نهاية سوريا نهاية العرب