اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

يتمادى العدو الإسرائيلي كل يوم في عدوانه على لبنان مسجلا المزيد من الجرائم ضد الإنسانية من قتل وتدمير وسط صمت المجتمع الدولي، فهذا العدو لم يكتف بقتل الابرياء وقصف المباني السكنية والأسواق التجارية، بل طال قصفه الهمجي او "الممنهج"، الأماكن التراثية ذات الرمزية التاريخية، مما يثير المخاوف حول سعي العدو لمحو تاريخ لبنان وتراثه الثقافي الذي لا يخص لبنان وحده، بل الإنسانية بأسرها.

ضربة مأساوية للتراث العالمي في مهد الحضارة فالعدو الإسرائيلي ليس لديه خطوط حمراء فحتى التراث مهدد، وهذا يعد مؤشراً خطيراً ويسجل جريمة إضافية ضد الإنسانية، ويضم لبنان خمسة مواقع مدرجة على لائحة التراث العالمي التابعة لمنظمة "اليونيسكو"، وهي معرضة للخطر بفعل غارات العدو الغير مسبوقة على بعلبك وصور أدت إلى أضرار دون رادع.

تمثل هذه الاعتداءات انتهاكاً صارخاً للقوانين والأعراف الدولية، بما في ذلك اتفاقيّة التراث العالمي لعام 1972 واتفاقيّة لاهاي لعام 1954 حول حماية التراث في مناطق النزاعات، وخوفاً من استهداف "إسرائيل" للمعالم الأثرية، تحرك لبنان دبلوماسياً لحمايتها، أسفر إلى عقد جلسة استثنائية في اليونيسكو في 18 تشرين الثاني الجاري لطلب الحماية المعززة للمواقع التاريخية اللبنانية ومن بينها قلعة بعلبك، كما دعا الأمم المتحدة إلى حماية مواقع التراث الثقافي في لبنان بعد الإنذارات الإسرائيلية بقصف مدينة بعلبك.

مما لا شك فيه ينبغي التصدي لهذا العدوان الممنهج وإيقافه، ويجب على الدول التي تحمل لواء الانسانية وحقوق الانسان أن تمارس أقصى الضغط على هذا العدو الغاشم لوقف عدوانه على لبنان بكل مكوناته من حجر وبشر، مصدر في وزارة الثقافة أكد أن "هذا العدوان على التراث اللبناني يعكس السياسة الإسرائيلية الرامية إلى تدمير هوية لبنان الثقافية، والوزارة لن تدخر جهدا في الدفاع عن هذا التراث مع عدد من المنظمات الدولية مثل اليونيسكو، والاتصالات مستمرة ولن تتوقف"، مضيفا "على المجتمع الدولي يجب أن يتحمل مسؤولياته لحماية هذا التراث الذي يشكل جزءا أساسيا من الهوية الثقافية للبنان والعالم". وهنا تجدر الإشارة إلى أن " إسرائيل ليست عضواً في (اليونسكو)، وهي تبقي نفسها خارج المنظمة لتظل متفلتة من أي التزام".

وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد وسام المرتضى أبدى خشيته من أضرار قد تلحق بالمواقع الأثرية رغم أنها محمية بالقانون، "لأن لإسرائيل تاريخاً أسود مع الآثار اللبنانية خلال حروبها السابقة، وسجلها معروف في هذا المجال، ففي عام 1982 سرقت الكثير واعتدت، وتتحدث التقارير عن آلاف القطع التي سرقتها إسرائيل أثناء اجتياحاتها المتكررة على لبنان، ووجودها في الجنوب، حتى إنها نقبت عن الآثار، وأخفت جرائمها عن أعين الأهالي".

وهنا سؤال يطرح نفسه لماذا لا تقوم الجهات المعنية بالمحافظة على التراث والاثار بتدابير وقائية ونقل ما يمكن نقله إلى أماكن أمنة، بالإشارة إلى متحف بيروت الوطني وما يحتوي من تاريخ وحضارات؟

من جهتها حذرت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس بلاسخارت في منشور لها على منصة إكس في ظل ما تتعرض له المدن القديمة في لبنان لخطر الدمار إلى أن "مدنا فينيقية قديمة ضاربة في التاريخ تواجه خطرا شديدا قد يؤدي إلى تدميرها"، مضيفةً أنه "يجب ألا يصبح التراث الثقافي اللبناني ضحية أخرى لهذا الصراع المدمر".

استهداف العدو للاماكن الاثرية والتراثية والدينيية ليس امرا تفرضه ظروف الحرب بل هو محاولات من قبل إسرائيل لطمس الهوية والتراث ومحو الذاكرة الجماعية للشعب وتجريده من عناصر هويته الأساسية، وتغيير معالم الأرض، فالمواقع الأثرية والمعالم التاريخية ليست مجرد شواهد حجرية، بل هي أدلة مادية على الارث الثقافي والحضاري عبر العصور وتثبت وجود وتعاقب حضارات وثقافات مختلفة على هذه الأرض عبر آلاف السنين، والتي لا تتوافق مع فكره الصهيوني الذي يقوم على فكرة "أرض الميعاد".

إن محاولات طمس الهوية والتراث تمثل تهديداً خطيراً ليس فقط للشعوب المستهدفة، بل للإنسانية جمعاء وتمثل جريمة ضد الإنسانية والحضارة، فالتنوع الثقافي هو ثروة عالمية يجب الحفاظ عليها وحمايتها، وحان الوقت لمحاسبة الكيان الإسرائيلي على جميع جرائمه فهل من مجيب؟

الجدير بالذكر أن هناك العديد من المواقع التي تعرضت للاعتداءات الإسرائيلية بدءا من مدينة بعلبك وقلعتها التاريخية التي تبلغ من العمر أكثر من 3000 عام، ومدرجة في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونيسكو"، كما أن مدينة صور الأثرية، المدرجة أيضا ضمن لائحة التراث العالمي لليونسكو، تعرض محيطها لغارات إسرائيلية متكررة، ما عرض المباني الأثرية فيها لخطر الانهيار بسبب الاهتزازات العنيفة التي تعرضت لها، كما تعرض سوق النبطية التجاري، وهو جزء من الهوية الثقافية والتجارية لمدينة النبطية، للتدمير الكامل، وفي بيروت، تأثرت مقبرة الباشورة التاريخية، والتي تحتوي على رفات شخصيات بارزة من العهد العثماني، حيث تعرضت لأضرار جسيمة جراء القصف، كما لم تسلم المساجد التاريخية في لبنان من الدمار، حيث تم استهداف سبعة مساجد في مناطق متفرقة من البلاد، وتشمل بعض هذه المساجد مبان تاريخية ذات أهمية ثقافية ، كما لم تسلم كنيسة مار سمعان، التي تقع بالقرب من مدينة صور من الدمار، كما تعرض "مقام بنيامين" في قرية محيبيب الحدودية للدمار، ويعود تاريخ هذا المقام، بحسب "الجمعية العاملية لإحياء التراث في لبنان"، إلى أكثر من 2000 عام، وهو مزار ديني ومقام تراثي وتاريخي في منطقة جبل عامل. 

الأكثر قراءة

حزب الله يتدخل لانقاذ «وقف النار»... الاتفاق «يهتز ولا يقع»؟ العدو يريد فرض وقائع ميدانيّة... «والكرة» في ملعب الدول الضامنة