اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

الحرب بين المقاومة اللبنانية والعدو الإسرائيلي، تكشف بوضوح عن صراع بين نموذجين مختلفين من الحروب: الحرب المتناظرة التي تعتمد على المواجهة المباشرة والتكافؤ العسكري، والحرب اللامتناظرة التي يبرز فيها الطرف الأضعف تسليحا كقوة قادرة على إفساد خطط الطرف الأقوى من خلال استراتيجيات ذكية وغير تقليدية.

العدو الإسرائيلي، المدعوم بأحدث الأسلحة والتكنولوجيا وتحالف دولي لا محدود، دخل هذه المواجهة بأهداف سياسية وعسكرية واضحة: إعادة المستوطنين إلى الشمال عبر تأمين المناطق الحدودية، وقف إطلاق صواريخ المقاومة نحو المستوطنات والعمق الإسرائيلي، القضاء على حزب الله وفرض شروط استسلام مذلة، ونزع سلاح المقاومة لتغيير ميزان القوى في لبنان والمنطقة. إلا أن المقاومة اللبنانية، بإرادتها الراسخة واستراتيجياتها المدروسة، أثبتت أن الحرب ليست مجرد مواجهة بين الأسلحة، بل صراع إرادات وقدرة على تغيير موازين القوى بوسائل مبتكرة.

الحرب الحالية ليست مواجهة متناظرة بين جيوش نظامية، بل حرب لامتناظرة تُدار بأسلوب مغاير للمعارك التقليدية. المقاومة، التي تواجه جيشًا يُعتبر من الأقوى عالميًا، اعتمدت على أساليب مرنة تستنزف العدو وتُفشل أهدافه، بدءًا من عملياتها الدقيقة التي ضربت العمق الإسرائيلي وفرضت معادلة الردع، وصولًا إلى الحرب النفسية التي نجحت في زعزعة ثقة المستوطنين بقدرة جيشهم على حمايتهم.

العدو، الذي يمتلك التفوق العسكري والتكنولوجي، حاول فرض إرادته باستخدام القصف العنيف والحصار والضغط الدولي، لكنه اصطدم بحائط صلب من الصمود والمقاومة. فبينما أراد إعادة المستوطنين إلى الشمال، أصبحت المناطق الحدودية مناطق مهجورة، تحت رحمة صواريخ المقاومة المستمرة. وبينما سعى إلى منع إطلاق الصواريخ، وجد أن المقاومة طوّرت تكتيكاتها لتبقى قادرة على تهديد مستوطنات الشمال وعمق الكيان رغم القصف المكثف.

الأهم من ذلك، أن العدو فشل في تحقيق هدفه الأكبر: القضاء على حزب الله وفرض الاستسلام عليه. على العكس، ظهرت المقاومة أكثر قوة وتنظيمًا، حيث استمرت في تنفيذ عملياتها النوعية وضرب مواقع استراتيجية، ما أكد استحالة كسر إرادتها أو تقويض حضورها.

في الحرب اللامتناظرة، لا تُقاس الغلبة بالسيطرة على الأرض أو حجم الخسائر، بل بإفشال أهداف العدو وإثبات القدرة على الصمود. المقاومة اللبنانية، بصمودها وتكتيكاتها الذكية، نجحت في تحويل المعركة إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، جعلت العدو الإسرائيلي في موقع الدفاع بدلًا من الهجوم.

هذه المواجهة تُبرز درسًا مهمًا: الغلبة ليست للأقوى عسكريًا، بل للأكثر تصميمًا وإبداعًا في إدارة المعركة. المقاومة اللبنانية اليوم تقدم نموذجًا فريدًا في كيفية مواجهة قوة عظمى بإمكانيات أقل، لكنها مدعومة بإرادة صلبة واستراتيجيات مدروسة. العدو، الذي دخل الحرب بهدف فرض معادلات جديدة، يجد نفسه اليوم عاجز عن تحقيق أي من أهدافه، بل يواجه أزمة داخلية متصاعدة بسبب هشاشة أمنه وتآكل الردع الذي طالما تباهى به.

إن الحرب اللامتناظرة هي ساحة انتصار الشعوب التي تمتلك الإرادة وتعرف كيف تدير معركتها بذكاء. المقاومة اللبنانية، بصمودها أمام أعتى الجيوش، تثبت مرة أخرى أن الشعوب المقاومة قادرة على هزيمة أقوى الجيوش إذا امتلكت الإرادة والمرونة والقدرة على التكيف. هذه الحرب لن تُكتب نهايتها بالحديد والنار، بل بالإرادة التي أثبتت مقاومتنا أنها لا تُكسر.

الأكثر قراءة

حزب الله يُحذر من الخروقات «الإسرائيليّة»: للصبر حدود الجولاني مُستقبلا جنبلاط: سنكون سنداً للبنان