اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


منذ اللحظة التي غاب فيها السيد حسن نصرالله كل شيء تغير. كيف؟ هذا يحتاج الى كهنة الغيب، وما أكثرهم على الشاشات. قطعاً المشهد اللبناني لن يكون مثلما كان. الولايات المتحدة وحدها في الحلبة. لا روسيا هناك ولا الصين ولا أوروبا. بعد 45 عاماً من الثورة في ايران، وكان في اعتقاد قادتها أنهم لن يغيروا الشرق الأوسط فحسب، تغيير العالم أيضاً. الجمهورية الاسلامية وكل من والاها في الايديولوجيا أو في الاستراتيجيا، هو الآن بين التطبيع أو الاختناق. الكل يدعونها الآن الى أن تتغير، والا ماذا؟ السناتور لندسي غراهام قال لنتنياهو "افعل بها ما شئت". ما يشاء... ضربها بالرؤوس النووية.

لا نتصور أن طريق الجلجلة سينتهي باغتيال رجل بقامة محمد عفيف. هو الذي كان موجوداً في عقل السيد وفي قلب السيد، مثلما كان السيد في عقله وفي قلبه. مَن بحنكته وبدماثته وبايمانه، يمكن أن يحل محله في التعاطي مع الاعلام المحلي والعربي والدولي، بكل تعقيداته وبكل اتجاهاته (أيضاً بكل خفاياه). رحل كما كان يتمنى، لكن الغياب سيبقى الغياب، فهل سيتوقف مسلسل الكوارث هنا، أم أن نواب الحزب هم الهدف التالي؟

على الأرض، التقاطع بين الجنون العسكري والجنون الديبلوماسي. هذه نظرية شارل تاليران، "الشيطان الأعرج"، وأحد نجمي مؤتمر فيينا (1815) مع كليمنت ميترنيخ، "مثلما الحرب تقتضي رؤوساً مجنونة كذلك الديبلوماسية". في الحالتين، لا أحد يستطيع التكهن بما ستكون عليه النهاية.

هل باستطاعة الديبلوماسية اقفال أبواب الجحيم؟ لم يكن آموس هوكشتاين ليأتي لو لم يكن هناك شيء ما في الأفق. قيل لنا "مثلما يعرف الرئيس نبيه بري كيف يفاوض، يعرف كيف يتألم حين ينكسر قلبه لنحيب أي ثكلى، أو لدمار أي منزل، أو لموت أي شجرة. من هنا يفاوض"!

اللافت أن هناك شاشات تهلل لبعض غربان الكابيتول من أصل لبناني (والذين لا يمتون الى لبنان بصلة) حين يدعون الى انزال العقوبات به لمسؤوليته عن عدم انتخاب رئيس الجمهورية (لأي جمهورية)، في حين تؤكد مصادر ديبلوماسية غربية أن الأميركيين والأوروبيين ينصحون بأن يكون هو من يرعى، في مرحلة ما بعد الحرب، أي تفاهم بين اللبنانيين، لأن هذه المرحلة قد لا تقل تعقيداً وخطورة عن مرحلة الحرب.

مثلما يتغير لبنان وتتغير ايران، تتغير "اسرائيل" أيضاً. كلام بالصوت العالي عن "التآكل الداخلي"، واسئلة تشيع بين "الحاخامات" و "الجنرالات" حول مستقبل الدولة العبرية، في ظل تقلبات الأزمنة وتقلبات الظروف. من زمان كان هناك من يطرح مثل هذه الأسئلة. لن يعود الشرق الأوسط بين الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة. انه الشرق الأقصى، وحيث التنين الاقتصادي على وشك أن يتحول الى التنين العسكري. الجنرال ديفيد بترايوس حذر من "اغلاق الباسيفيك في وجهنا"، وهو الخاصرة الرخوة للأمبراطورية.

نذكّر بما حذّر منه أحد المؤرخين الجدد بن موريس (وقد عاد الى لغة الغيتو) أن نصل الى ذلك اليوم الذي يقول فيه أبناؤنا ان يهوه "صنع في أميركا"، ليسأل اذا كانت "اسرائيل" "صنيعة الله أم صنيعة أميركا"؟

ما يعنينا الآن، والأيام هذه أيام مفصلية، هل باستطاعة الكونسورتيوم الذي قادنا الى الخراب الاقتصادي والخراب المالي، ناهيك بالخراب السياسي والطائفي، اخراجنا من الجحيم الآخر الذي قد يكون بانتظارنا؟ دونالد ترامب سيكون بعد أسابيع قليلة في أعلى نقطة من الكرة الأرضية. لن يكتفي فقط بمحاولة فرض التطبيع على السعودية، بتأثيرها الهائل في المنظومة العربية، وكذلك في ما يسمى المنظومة الاسلامية. يريد فرض التطبيع على ايران، بالموقع الجيوستراتيجي البالغ الحساسية بالنسبة الى الحزام الصيني والحزام الهندي (الأميركي)، الاثنان من آسيا الى الشرق الأوسط فأوروبا...

هذا ما يجعلنا نستعيد قول زبغنيو بريجنسكي "من يمسك بأوراسيا يمسك بالعالم". وقد لاحظنا أخيراً، رعاية روسيا لمؤتمر الأمن الأوراسي في مينسك البيلاروسية.

ليس بنيامين نتنياهو مَن يستطيع تغيير الشرق الأوسط، وان كانت التوراة تولي بني "اسرائيل" قيادة البشرية. انه دونالد ترامب. ولكن ألم يقل آرنولد توينبي انه لا يدري اذا كان التاريخ يمتطي ظهر الشيطان أم الشيطان يمتطي ظهر التاريخ...؟

الأكثر قراءة

«تل ابيب» تحت النار رداً على استهداف بيروت نتانياهو يستبق زيارة هوكشتاين برفع سقف شروطه حزب الله يُحدّد ثلاث ثوابت... والجيش جاهز للإنتشار