اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


الحمل ليس مجرد مرحلة بيولوجية يمر بها جسم المرأة؛ إنه فترة حساسة مليئة بالتحديات النفسية والجسدية التي تتطلب من الأم الحامل الحفاظ على توازن دقيق. ورغم أن التركيز في الغالب ينصب على صحة الأم الجسدية، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الصحة النفسية لا تقل أهمية، حيث يمكن أن يؤثر الضغط النفسي الشديد في صحة الجنين بشكل كبير، ويزيد من احتمالية إصابته باضطرابات عصبية طويلة الأمد، منها مرض الصرع.

الصرع هو اضطراب عصبي يتسبب بنشاط كهربائي غير طبيعي في الدماغ، ويمكن أن يرافق الطفل مدى الحياة. أظهرت دراسات علمية أن تعرض الأم الحامل لمستويات مرتفعة من الضغط النفسي قد يزيد من خطر إصابة طفلها بهذا المرض. فقد وجدت دراسة أجرتها جامعة كوبنهاغن أن الأطفال المولودين لأمهات تعرضن لضغوط نفسية شديدة أثناء الحمل كانوا أكثر عرضة للإصابة بنوبات صرعية خلال السنوات الأولى من حياتهم. والأمر لا يتعلق بالتوتر البسيط، بل بالتوتر المزمن والمستمر، الذي قد يترك آثارًا عميقة في الجهاز العصبي للجنين.

عندما تتعرض الأم لضغط نفسي كبير، تحدث تغييرات داخل جسمها تؤثر في بيئة الجنين. أحد أبرز هذه التغييرات هو ارتفاع مستويات هرمون الكورتيزول، المعروف بهرمون التوتر. الكورتيزول قادر على عبور المشيمة والوصول إلى الجنين، مما يؤثر بشكل مباشر في تطور دماغه. يؤدي هذا الهرمون إلى اضطراب في تكوين الاتصالات العصبية اللازمة لنمو الجهاز العصبي بشكل صحي وسليم.

إلى جانب ذلك، يسبب الضغط النفسي المزمن حالة من الالتهاب في جسم الأم، وهو ما يغير البيئة الداخلية للرحم ويعيق الإشارات العصبية التي يحتاج اليها الجنين للنمو السليم. كما يمكن أن يؤدي التوتر إلى تضييق الأوعية الدموية، مما يقلل من تدفق الدم والأكسجين إلى الجنين، وهو ما يؤثر في نمو أجزاء حيوية في دماغه خلال فترات حرجة من الحمل، بخاصة في الأشهر الأولى التي تشهد تكوين البنية الأساسية للجهاز العصبي.

تلعب توقيتات الضغط النفسي أثناء الحمل دورًا حاسمًا في تحديد مدى تأثيره على صحة الطفل. فالأشهر الثلاثة الأولى من الحمل تُعد فترة حرجة لتطور دماغ الجنين وتكوين بنيته الأساسية. أي اضطراب خلال هذه الفترة، مثل التعرض لضغوط نفسية شديدة، يمكن أن يترك آثارًا طويلة الأمد في تطور الطفل العقلي والجسدي.

لحماية الأم والجنين من الآثار السلبية للضغط النفسي، يجب اتخاذ خطوات فعالة لإدارة التوتر. من أهم هذه الخطوات:

- ممارسة تمارين الاسترخاء مثل التنفس العميق والتأمل، حيث تعمل على تقليل مستويات الكورتيزول في الجسم وتعزيز الشعور بالهدوء.

- تخصيص وقت للراحة اليومية بعيدًا عن الضغوط الحياتية، ما يمنح الأم فرصة لإعادة شحن طاقتها النفسية والجسدية.

- الاستفادة من الدعم الاجتماعي، إذ يعد الدعم من الأسرة أو الأصدقاء وسيلة فعالة لتخفيف التوتر. يمكن للتحدث عن المشاعر والمخاوف أن يساعد على تخفيف الضغوط النفسية بشكل كبير.

بالإضافة إلى ذلك، يلعب النظام الغذائي المتوازن دورًا كبيرًا في تحسين الحالة النفسية والجسدية للأم. تناول أطعمة غنية بالفيتامينات والمعادن الضرورية يعزز من صحة الأم والجنين على حد سواء. وأخيرًا، من الضروري أن تراقب الأم حالتها النفسية بشكل دوري مع طبيب مختص، خاصة إذا كانت تعاني من اضطرابات القلق أو تتعرض لضغوط حياتية شديدة.

إلى ذلك، الصحة النفسية أثناء الحمل ليست رفاهية، بل هي جزء أساسي من رعاية الأم والجنين. فالضغط النفسي الذي تتعرض له الأم قد تكون له آثار تمتد الى ما بعد الولادة، وقد يؤثر في صحة الطفل العقلية والجسدية. من خلال اتخاذ خطوات بسيطة وفعالة، يمكن للأمهات ضمان بيئة صحية وآمنة لأنفسهن ولأطفالهن القادمين. الاهتمام بالجانب النفسي لا يقل أهمية عن العناية بالتغذية أو متابعة صحة الجسد، بل قد يكون المفتاح لضمان بداية صحية لحياة الطفل المستقبلية.