اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

في خضم أصعب المعارك التي يخوضها لبنان، وفي مواجهة اعتى قوى العدوان التي لا تتردد في استخدام أقسى درجات العنف والإجرام، تقف المقاومة كالسد المنيع، تدافع عن الأرض والكرامة والسيادة. تُقدم المقاومة شهداءها، ويتحمل جمهورها التضحيات الجسيمة من تهديم المنازل وتشريد العائلات، في سبيل قضية وطنية جامعة لا تعرف الطائفية أو المصالح الضيقة. وفي هذه اللحظة الحرجة، حيث ينتظر الشعب من كل لبناني أن يكون عوناً للمقاومة وداعماً لها، يظهر بيننا من يُفترض أنهم "إخوة في الوطن"، ليطالبوا المقاومة بالاستسلام والتخلي عن سلاحها. مدّعين الحرص على المصلحة الوطنية، لكنهم في الواقع لا يقدمون إلا الطعن في الظهر والخيانة المغلّفة بالمصطلحات المخادعة.

هذا الموقف يعيد إلى الأذهان قصة يوسف عليه السلام، التي تمثل نموذجاً أزلياً للخيانة التي تأتي من الأقرباء. فقد أضمر إخوة يوسف الحسد في قلوبهم، وخططوا للتخلص منه لا لشيء إلا لأنهم رأوا فيه تهديداً لأنانيتهم ورغباتهم. ألقوه في غيابة الجبّ وتظاهروا بالبراءة، قائلين: "وما نحن بتاركي أخينا إلا لأن الذئب أكله". هذه الخيانة ليست سوى انعكاس لما يفعله بعض اللبنانيين اليوم، حين يطالبون المقاومة، التي هي الدرع الوحيد أمام الذئب الإسرائيلي، بأن تلقي بسلاحها وتترك هذا الوطن فريسة سهلة في غيابات الاحتلال.

لكن مثلما خرج يوسف من ظلمات الجبّ منتصراً وممكّناً في الأرض، فإن المقاومة، التي صبرت على كل أشكال الخذلان والطعن، ستخرج منتصرة. يقول الله تعالى: "إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين" (يوسف، 90). فالمقاومة، التي صبرت على الحصار والدمار وفقد الأحبة، تتوكّل على الله وتثق بأن النصر آتٍ، مهما اشتد الكيد وتكالب الأعداء.

ليس غريباً أن يعيد التاريخ نفسه، فقد عانت الشعوب عبر الزمن من هذه الفئة التي تُظهر وجهاً ودوداً لكنها تحمل خنجراً مسموماً في يدها. وفي الإنجيل، نجد تحذيراً واضحاً من هذه الخيانة المقنّعة، حيث يقول السيد المسيح: "احذروا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنهم من الداخل ذئاب خاطفة". فهل هناك ذئب أكثر افتراساً من الاحتلال، أو ذريعة أخطر من تلك التي تدعو للتخلي عن السلاح بحجة السلام؟

إن المقاومة ليست مشروعاً عابراً أو مغامرة تهدف لتحقيق مكاسب آنية. إنها حق مشروع لكل شعب يرزح تحت تهديد العدوان. ولولا هذه المقاومة، التي استمدت قوتها من إرادة الشعب ومن شرائع السماء، لما كان للبنان أن يصمد أو أن يحافظ على سيادته. عندما يطلب أحدهم من المقاومة التخلي عن سلاحها، فإنه عملياً يدعوها إلى الانتحار، ويطالبها بترك الساحة مفتوحة أمام عدو لا يعرف الرحمة. هذه الدعوات لا يمكن أن تندرج ضمن إطار النصيحة، لأنها تفتقر إلى أدنى درجات الوعي الوطني والمسؤولية الأخلاقية.

في التاريخ، كان الخائن دائماً أقرب من العدو. الطعنة في الظهر لا تأتي من بعيد، بل من الداخل، ممن يُفترض بهم أن يكونوا سنداً وأعواناً. يقول الإمام علي عليه السلام: "الخذلان أعظم الخيانة". وهذا هو واقعنا اليوم، حيث يتحوّل البعض إلى أدوات بيد العدو، يدفعون باتجاه الاستسلام ويروجون لفكرة الهزيمة، في الوقت الذي تتطلب فيه المعركة صلابة وإصراراً على المواجهة.

أما أولئك الذين يصرّون على خيانة المقاومة ووطنهم، فإن التاريخ لن يرحمهم. سيظل وصمة عار تلاحق أسماءهم، لأن خيانة الوطن ليست رأياً سياسياً، بل هي جرمٌ يلعنهم عليه كل شريف في هذا الوطن. المقاومة ستنتصر، لأنها تحمل قضية عادلة، ولأن وعد الله للمظلومين والمجاهدين قائم: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين" (العنكبوت، 69).

الأخوة في الوطن ليست مجرد كلمات تُقال أو شعارات تُرفع، بل هي التزام بالمبادئ المشتركة ودعم للمقاومة في وجه الأعداء. ما يفعله هؤلاء اليوم لا يمثل نصيحة ولا حرصاً، بل هو خيانة موصوفة يجب أن يُدانوا عليها أمام التاريخ. لبنان لن يُبنى بالحياد ولا بالمساومة على كرامته، بل بوحدة أبنائه خلف قضية وطنية واحدة: حماية الأرض والشعب من كل معتدٍ ومتآمر.

في هذه اللحظة المصيرية، على اللبنانيين جميعاً أن يدركوا أن الطعن في ظهر المقاومة هو طعن في قلب الوطن. علينا أن نستلهم دروس يوسف، الذي غفر لإخوته بعد توبتهم، ونتعلم من تعاليم الأديان أن المحبة والإخلاص هما الطريق الوحيد لبناء وطن قوي ومتماسك. فلا مكان بيننا اليوم لخائن أو متخاذل، ولا عذر لمن يترك الساحة مفتوحة أمام العدو بحجج واهية لا تخدم إلا مصالح الاحتلال. مقاومتنا ستبقى صامدة، وستظل ترفع راية النصر فوق كل بقعة من أرض هذا الوطن، شاء من شاء وأبى من أبى.

الأكثر قراءة

حزب الله يُحذر من الخروقات «الإسرائيليّة»: للصبر حدود الجولاني مُستقبلا جنبلاط: سنكون سنداً للبنان