اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

مع كل خبرٍ عن اقتراب وقف إطلاق النار، ومع كل حديث عن سقوط المشروع الإسرائيلي المدمر تحت أقدام المقاومة، يخفق القلب اللبناني بشكلٍ لم يعهده من قبل. لكنه خفقانٌ متناقض، يلتقي فيه الفرح بالحزن، والانتصار بالفقد، في مشهدين يقتربان من التحقق معًا: مشهد الاحتفال بالنصر العظيم، ومشهد تشييع القائد الاستثنائي سماحة السيد حسن نصرالله.

كيف سيكون الحال حين تُعلَن نهاية الحرب؟ الحشود العائدة إلى قراها ومدنها في الجنوب والبقاع والضاحية، ستحتفل بإنجاز المقاومة، سترفع أعلام لبنان وأعلام حزب الله وحركة أمل، وستغني للحرية التي استُعيدت بدماء الشهداء. سيتقدمها المقاومون الذين سطروا ملحمة الصمود، والذين عادوا من جبهات القتال أقوى مما تصور العدو.

لكن، في لحظة الانتصار، سيكون الغائب الأكبر هو السيد حسن نصرالله. كيف ستُرفع الأعلام ابتهاجًا بالنصر بينما يخيم السواد على القلوب؟ كيف ستصنع الجماهير فرحها وهي تدرك أن من قادها لهذا المجد لن يكون حاضرًا ليشهد نهاية المعركة؟

أتخيل الحشود تتدفق إلى شوارع لبنان، تغمرها مشاعر متداخلة لا تعرف لها اسمًا. شابٌ يرفع راية النصر بيد، بينما يمسح دموعه باليد الأخرى. امرأة تصفق لفوز المقاومة، لكن صوت تصفيقها يختلط بأنين قلبها وهي تردد: "يا سيد، كنا بحاجة إليك في هذه اللحظة".

ثم يأتي المشهد الآخر، المشهد الذي تخفق له القلوب أكثر، مشهد التشييع المهيب. كيف ستمتلئ الشوارع بالسواد بعد أن كانت تفيض بألوان النصر؟ ملايين ستتدفق من كل أنحاء لبنان، ومن خارج الحدود، تلتف حول نعش السيد، تردد الهتافات التي طالما أطلقها، وتبكي على رجلٍ كان ملهمها وقائدها.

ذلك النعش، الذي يحمل جسد السيد حسن نصرالله، سيكون رمزًا لمقاومة لا تُهزم، وشهادة على أن القادة العظماء يرحلون جسدًا فقط، بينما تبقى أرواحهم تتقدم الصفوف. أتخيل المشهد وكأنه فيلم يتجاوز حدود الزمان والمكان: بحرٌ من السواد يزحف في شوارع الضاحية، العيون شاخصة نحو النعش، والقلوب تنبض بوفاءٍ لا نهاية له.

الحشود نفسها التي تهتف للنصر اليوم، ستقف في اليوم التالي لتجدد العهد والولاء للمقاومة أمام نعش قائدها. ستقول، بصوتٍ واحد، إن هذا الدم لن يضيع، وإن استشهاد القائد هو بدايةٌ جديدةٌ لمسيرةٍ طويلة. ستُرفع الرايات مجددًا، لكنها ستُرفع بثقل الفقد وحلاوة النصر معًا.

وفي تلك اللحظة، لن يكون المشهد مجرد وداع. سيكون ولادة جديدة. سماحة الشيخ نعيم قاسم، الأمين العام الجديد، سيتقدم الصفوف، لكنه لن يكون وحده. خلفه، سيكون إرث السيد حاضراً في كل خطوة، في كل هتاف، وفي كل يدٍ تحمل الراية.

أي مشهد هذا؟ حين تتقاطع دموع الفرح بالنصر مع دموع الفقد، وحين يختلط سواد العزاء ببهجة الانتصار؟ كيف يمكن للقلب البشري أن يحتمل هذه المشاعر المتناقضة؟ وكيف يمكن لشعبٍ أن يحول لحظات الحزن إلى قوة، ولحظات النصر إلى عهد جديد؟

ربما يكون الجواب في هذه الأرض، التي ارتوت بدماء الشهداء، وعلمتنا أن المقاومة ليست مجرد شعار، بل حياة تُعاش بكل تفاصيلها. في تلك اللحظة، ستعرف القلوب أن السيد حسن نصرالله لم يكن فقط قائدًا، بل روحًا ستبقى تسكن كل مقاوم، وكل مؤمنٍ بعدالة القضية.

فكيف لا تخفق القلوب بقوة أمام هذه اللحظة؟ وكيف لا تتحول هذه المشاهد إلى تاريخ يُروى للأجيال، ليقولوا: هنا كان شعبٌ لا يُقهر، وهنا كان قائدٌ لا يموت؟

الأكثر قراءة

نهاية سوريا نهاية العرب