اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


بديهي أن تكون هناك أصوات شيعية تعترض على النهج الايديولوجي لحزب الله، أو على علاقته الاستراتيجية مع ايران، بالرغم من مؤازرتها له في تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال، أو على اندماجه في المنظومة السياسية بكل موبقاتها وبكل آفاتها، وهي التي ادارت لبنان لا بمنطق الدولة، وانما بمنطق المغارة (مغارة علي بابا)، وان كانت حجته في ذلك أن تكون المقاومة جزءاً من الشرعية الدستورية، لا خارجها ولا خارجة عليها.

وقد تكون هناك أصوات ترى في "حرب الاسناد"  ليس فقط خطأً تكتيكياً أو خطأً استراتيجياً، بل وخطأ وجودياً. السيد حسن نصرالله قال هذا ليس وقت الساعة الكبرى، ليتلقف بنيامين نتنياهو القنبلة الأولى، ويجعل منها ساعته الكبرى. السيد الذي بيننا ويبقى، كان يدرك أن الطريق الى فلسطين، وبيننا وبينها خطوة واحدة، طويل وشاق وهو لا يمر بواشنطن فقط، وانما بكل الحواضر الغربية، وبالكثير من الحواضر العربية. ولكن من لا يعلم ما الخفايا التي دفعت بالسيد الى ذلك الخيار، وهو الذي كان يعلم الكثير عن مأزق نتنياهو، اضافة الى الثُغر البنيوية في استراتيجية محور الممانعة.

ولكن أن تلتقي أصوات شيعية صادمة بضحالتها، وبعقدها الثأرية (لا الثورية)، في السير فوق الجراح، والى حد التشكيك بدور المقاومة، كون الدولة من تحمي الجنوب وأهل الجنوب. حتى اللحظة أي دولة؟ وهل كانت هناك دولة حين سلمت مفاتيح الجنوب لياسر عرفات، بتلك الكوميديا السوداء، وحيث قذائف الكاتيوشا تطلق من بين المنازل لتنفجر في العراء، وبالاعتداءات على الممتلكات، وعلى الحرمات، دون أن تتجرأ امرأة على الظهور في الشارع،  لتخلو قرى من سكانها، ليس بسبب ارتكابات الأعداء وانما بسبب ارتكابات الأشقاء.

هل كانت هناك دولة، حين دخلت دبابات الميركافا الى قلب بيروت، وصولاً الى القصر الجمهوري، وكاد أرييل شارون أن يقتحم مكتب الرئيس الياس سركيس لولا التدخل الأميركي.

أكثر من ذلك. اذا كان الذين "تزعموا" اللقاء، وظهروا أمام الكاميرات التي ترى في المقاومة الخطر الأكبر، والعدو الأكبر للبنان، يمتلكون الحد الأدنى من الموضوعية في مقاربة تلك المسألة الحساسة، لعادوا الى تصريحات مناحيم بيغن، رئيس الوزراء آنذاك. الغاية من عملية "سلامة الجليل"  تدمير الآلة العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية. هذا ما حدث، وصودرت حتى سكاكين المطبخ من المخيمات الفلسطينية، كما تم ترحيل ياسر عرفات، ومن كانوا يدعون "الفدائيون". فدائيو الملاهي الليلية لا فدائيو الخنادق.

آنذاك لم يبق من أثر للمنظمة. لماذا بقي "الاسرائيليون" طوال تلك السنوات على أرض لبنان، ومعهم الميليشيا. أقاموا حواجز الذل والقهر، وقصفوا وقتلوا ونكّلوا واعتقلوا. لمن زار معتقل الخيام ولاحظ طرق التعذيب  وأدواته الأشد هولاً من المعسكرات النازية. آنذاك كتبت "أرخبيل الغولاغ في جنوب لبنان"، وهو عنوان الرواية الشهيرة لألكسندر سولجنستين عن معسكر الاعتقال في سيبيريا ابان العهد الستاليني.

كان بيغن، وهذا ما ألمح اليه يهوشوا ساغي، رئيس الاستخبارات العسكرية في هيئة الأركان، قد خطط للبقاء أطول مدة ممكنة، وفي ظنه أن أهل الجنوب كأقلية شيعية في المنطقة، لا بد أن يتكيفوا مع الوجود "الاسرائيلي". لم يوضح الهدف الأساس وهو تكريس الجنوب كجزء من "اسرائيل الكبرى"، وقد لاحظنا كيف أن قائد لواء غولاني يوآف ياروم اصطحب معه الباحث والمؤرخ "الاسرائيلي" زئيف ايرليتش للتنقيب عن أي أثر لليهود على أرض لبنان.

الكلام الذي أطلقه بعض منظمي اللقاء أمام الكاميرات، كان معيباً بالاغفال التام لنجاح المقاومة في اجتثاث الأقدام الهمجية من تراب الجنوب، والا كان الجنوبيون يغسلون أقدام "الحاخامات" كما يقضي بذلك النص التلمودي. ولا نتصور أن أحداً منهم قرأ كلام ايتامار بن غفير، وهو تلميذ "الحاخام" مئير كاهانا، حول اعادة بناء الهيكل بجماجم اللبنانيين لا بخشب الأرز اللبناني.

طبيعي توجيه الانتقاد الى حزب الله، مع اعترافنا بأن هناك من راح يتعامل مع الآخرين بتعال  أو حتى بغطرسة. وهذه ليست روحية المقاوم، ولا أخلاقية المقاوم، ودون أن يكون طبيعياً الاستئثار بالمقاعد النيابية، ولا بالحقائب الوزارية، وصولاً الى رؤساء المجالس البلدية وأعضائها، دون أي اعتبار للبيئة الحاضنة، وبما تضمه من الكفاءات، بل ومن الأدمغة المميزة  في مختلف القطاعات.

دون أدنى شك رجال المقاومة واجهوا الغزاة ببطولة اسثنائية. تصوروا أن يواجه ألفا مقاتل خمس فرق من الجيش "الاسرائيلي"، بمئات الدبابات والآليات، وبالتغطية الجوية على مدار الساعة، مع اعتبار الظروف المستحيلة للقتال. لا شبكة اتصالات، ولا امدادات لوجستية أو عملانية، ولا مستشفيات لمعالجة الجرحى، ودون أن يكون لدى أولئك البرابرة الحد الأدنى من أخلاقيات الحرب.

الآن السيد لم يعد هناك. كتبنا "لكأنه سقوط الدهر". رهاننا على حزب الله كقوة مقاومة، اعادة النظر في أشياء كثيرة، من بينها التفاعل أو الانفتاح على الآراء الأخرى، وحتى على الثقافة الأخرى، أن لدى أبناء الطائفة  أو لدى أبناء الطوائف الأخرى. ثمة زلزال قد وقع، وعلينا أن نعرف كيف نعامل مع الهزات الارتداية، وهي قاسية ومريرة. الآن حرب مع الذات، لا حرب مع الآخرين...

 

الأكثر قراءة

غموض رئاسي وتلويح بعقوبات للضغط على معارضي عون؟! ميقاتي للسيسي: حزب الله قد يرد على الخروقات بعد الـ 60 يوماً اسرائيل تخطط لتفكيك سوريا: دعم حكم ذاتي للاكراد والدروز