اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

أمل سيف الدين

على عتبات عام جديد، يتناثر الأمل مع الأحلام في أجواء العالم، تمتزج بالأضواء والاحتفالات، وفي لبنان، ورغم الحزن الذي يخيم على الليالي المقمرة، يبقى الأمل حاضرًا كشمعة تنير الظلام. رأس السنة، الذي اعتاده اللبنانيون موعدًا لتبادل الأمنيات والابتسامات، بات اليوم فرصةً لاستحضار القوة والإيمان بغدٍ أفضل. ففي وطن أثقله الحزن، لا تزال الأرواح تعاند اليأس وتؤمن بأن الفجر، مهما تأخر، يحمل وعدًا بنهضة جديدة وأن الألم سيولد فرحًا يعيد للقلوب نبضها.

حين يصبح العيد بداية للتعافي!

في المنازل اللبنانية، قد تغيب الزينة عن الأركان، لكن الإيمان بمستقبل أكثر إشراقًا يضيء القلوب. أم محمد، التي خسرت ابنها الوحيد في الحرب، تجلس أمام نافذة مكسورة، تتأمل الشارع الخالي، وتقول بصوت متماسك رغم الحزن: "كان ابني يزيّن العيد كل عام، واليوم أزيّنه بذكراه وأدعو له. الألم كبير، لكنني أتمسك بالأمل لأجله."

الوجع لا يُمحى، لكنه يتبدد أمام قوة الإرادة. من فقدوا أحباءهم يجدون في ذكرياتهم دفئًا يُخفف قسوة الأيام، ومع كل عام جديد، يرسمون آمالًا في قلوب تعلمت أن تتحمل، وتصمد، وتنتظر الفرح القادم.

الانتظار... حكاية لا تنتهي

أما أبو علي، والد أحد المفقودين، فيقف عند باب منزله كل ليلة، يراقب الطريق المظلم، عله يرى وجه ابنه الذي اختفى في الحرب. يقول: "كل ليلة أحلم به يعود. كل يوم أستيقظ وأنا أقول: ربما اليوم سيأتي الخبر. لكن لا شيء. الانتظار أشد ألمًا من الموت نفسه."

الانتظار، هذا الشعور الذي يجمد الزمن، يُبقي الآباء والأمهات عالقين في دوامة من الأسئلة. أين هم؟ هل هم أحياء أم تحت التراب؟ أسئلة تقتل الروح ببطء، دون أن تجد لها إجابة.

الشهيد الغائب... وطن منسي

الدولة اللبنانية، رغم كل الجهود، لم تستطع حتى الآن استعادة جميع الشهداء، بسبب خروقات العدو الإسرائيلي لوقف إطلاق النار، ورفضه التعاون للكشف عن مصير المفقودين او الوصول اليهم في المناطق الحدودية. هذا الجرح المفتوح يعيد للأذهان قصصًا لا تنتهي من الألم والقهر.

أم حسين الجنوبية تسرد قصتها بحزن: "استشهد ابني قبل شهرين. لم أستطع حتى أن أدفنه. لا أعرف أين هو الآن. هل هو في أرض العدو؟ هل عاد مع الريح؟ كل ما أريده هو قبر. قبر أضع عليه وردًا وأبكي عنده."

ورغم كل هذه المآسي، اللبنانيون لا يعرفون الاستسلام. ففي ليلة رأس السنة، يجتمع البعض حول شمعة، يرفعون أيديهم بالدعاء، يطلبون من الله أن يعيد الأحبة، أن يكشف مصير المفقودين، وأن يمنحهم عامًا أقل قسوة.

وفي قلب بيروت، حيث الحياة تحاول أن تستمر، تقاوم بعض العائلات الحزن خاصة في الضاحية الجنوبية. يضيئون شجرة صغيرة، يتحدثون عن من رحلوا كأنهم ما زالوا بيننا. تقول سارة، التي فقدت شقيقها: "لن أنسى، ولن أحتفل كما كنت أفعل من قبل. لكنني أحاول أن أعيش، لأجله، ولأجل ما كان يحلم به."

لبنان... وطن لا ينكسر

رأس السنة في لبنان ليس مجرد مناسبة عابرة. إنه لحظة يقف فيها الوطن أمام ذاته، يتأمل ما خسره وما يمكن أن يربحه. ورغم الحزن الذي ينهش القلوب، يبقى هناك بصيص أمل، ولو بعيد.

لبنان، الذي عاش الحروب والنكبات، ما زال يحمل في داخله نبضًا لا يموت. أبناؤه، الذين أثقلتهم الخسارات، ما زالوا يجدون القوة ليستمروا، يحملون جراحهم كوسام شرف، ويؤمنون بأن الغد، مهما كان مظلمًا، قد يحمل ضوءًا يشفي الجراح.

ففي هذا الوطن الصغير، الحزن لا يغيب، لكنه لا يهزم. وفي ليلة رأس السنة، بين الدموع والدعاء، يثبت اللبنانيون مرة أخرى أنهم قادرون على العيش، رغم كل شيء.

الأكثر قراءة

مصير الرئاسة والهدنة يحسمه هوكشتاين حزب الله: مُنفتحون على قائد الجيش... ولا «فيتو» سوى على سمير جعجع