اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


ذات يوم سألت الرئيس نجيب ميقاتي، وكنا في أحد شوارع دمشق، ماذا تعني لك هذه المدينة؟ أجابني "لكأنها بيتي". لبنانيون كثيرون يعشقون دمشق. لا يعنينا من يكون على رأس الدولة أو على رأس الاستخبارات، أكان بتكشيرة تأبط شراً أم كان برقة انجيلينا جولي. أمس كان في دمشق. تراه لاحظ أن دمشق ما زالت دمشق أم باتت أي شيء آخر؟

الصديق القديم لبشار الأسد قاطع الرئيس السوري (الهارب)، حتى بعدما استقر الوضع في سورية، ولو فوق الجمر. غضب عربي، ودولي على الأسد الذي تعرّض لأبشع حرب في التاريخ. مقاتلون آتون من الكهوف، أو من الأقبية، ينتمون الى عشرات الجنسيات، والى عشرات الايديولوجيات، من أجل نقل سورية من ديكتاتورية كاليغولا الى ديموقراطية أفلاطون...

في لبنان، اعتدنا على كل اشكال الزبائينية. الكاميرات لم تترك بوابة زنزانة الا وطرقتها، لم تترك حائطاً عليه آثار كلمات ضائعة الا والتقطت صوراً له، حتى لتحسب أن الجحيم هناك، وأن غوانتنامو على شاكلة البيفرلي هيلز. مغالاة هائلة في الوصف كما لو أننا الآن لسنا في ذروة التعبئة الغرائزية لاستعادة مشاهد مروعة من الحرب الأهلية. قطع الرؤوس بالفؤوس، عرض الجماجم على عربات الخضار، اخفاء جثث الضحايا في آبار الكلس كي تتحلل، وتذوب هوية أصحابها.

فعلنا بأنفسنا ما لم تفعله الأجهزة في سوريا، وها نحن نهلل لمن استولوا على السلطة، كما لو أنهم لم يدفنوا ضحاياهم وهم أحياء، وكما لو أنهم لم يعرّوا رجال الدين ويجلدوهم أمام الملأ، وكما لو أنهم لم يفرغوا رصاص بنادقهم الرشاشة في رؤوس جنودنا، وعلى أرضنا. وها أن المشهد يتكرر الآن. لسنا قطعاً ضد الاقتصاص من زبانية الاستخبارات والمعتقلات. لكن المسائل تذهب الى أبشع أنواع القتل، والتنكيل، بفئات دون أخرى، وبمناطق دون أخرى.

دائما تحت شعار "شريعة الله". هل هذه حقا شريعة الله، بالركل بالأقدام، وبالدوس على الرؤوس، أمام عائلات مشتبه فيهم فقط لانتمائهم الديني أو المذهبي. ليبقى السؤال لماذا تجرد السلطة الجديدة بعض المناطق حتى من سكاكين المطبخ، ولا تتجرأ على المس بفئات أخرى، وسواء كانت هذه الفئات تحت الرعاية الاسرائيلية أم تحت الرعاية الأميركية؟ هذا لا يمكن أن يكون الاسلام القرآني. الاسلام التوراتي، بذلك الشبق المروع، وحيث الأيدي التي تتقيأ الدم. في الكوميديا الالهية لدانتي أنوف تخرج منها النيران...

اذاً، الرئيس ميقاتي في دمشق. هذا منطق الأشياء، وهذه قوة الأشياء. سورية شقيقتنا، والسوريون أشقاؤنا. يلجؤون الينا، ونلجأ اليهم، في أوقات المحن. مثلما سورية حاضرة العرب والعروبة، حاضنة العرب والعروبة، مهما واجهت من أشكال غرائبية، ومهما مرت في ظروف غرائبية. هي بوابة لبنان الى الداخل العربي. الآن، سورية في وضع انتقالي. ما يصدر من كلام عن قائد الادارة الجديدة هو كلام رجل دولة. لا يعنينا ماضيه. ولكن ما يجري على الأرض من تسيّب أمني، وحيث الترويع العشوائي، والملاحقة العشوائية، لا يمت بصلة الى سلطة قالت بالعدالة، والمساواة، كما بالتكافؤ، وبالتنوع، ووحدة الأرض ووحدة الشعب.

حتى أن معارضي "النظام المخلوع"، وهم يحملون آراء مختلفة ورؤى مختلفة، يبدون توجسهم من بعض الظواهر التي تنذر بانفجارات قد تفضي الى تنفيذ المخطط الاسرائيلي بتفكيك سورية الى دويلات طائفية، ومناطقية، واثنية. من يحول، وفي الظروف الراهنة، دون تنفيذ هذا المخطط الجاثم على أبواب دمشق؟ البلاد ممزقة. الترسانة العسكرية مدمرة. الصراع على أشده، حتى بين الحلفاء، حول من يقود سورية.

رجب طيب اردوغان الذي تولى تنفيذ السيناريو، وقد أتاح له ذلك العودة الى محاولة تحقيق حلمه باحياء السلطنة العثمانية، بات في عنق (أم في قعر) الزجاجة. هل يتجرأ على التدخل العسكري للحيلولة دون بنيامين نتنياهو واستباحة الأراضي السورية، والأجواء السورية؟ هو الآن يلعب بالروس، ويلعب بالأميركيين، بنبرة "سلطان البر وخاقان البحر"، يخشى أن يدافع عن ولايته العثمانية التي تفتح أمامه أبواباً كثيرة، ان في المنطقة أو خارج المنطقة.

بالتأكيد، نحن مع علاقات وثيقة، ومتوازنة، مع الشقيقة سورية. ولكن أين هي الخريطة السورية الآن، وقد توزعت بين الأتراك والأميركيين والاسرائيليين، وحتى الروس موجودون (دون خجل) في قاعدة حميميم الجوية، وفي قاعدة طرطوس البحرية؟ هذا اذا لم نسأل، أين هي القنيطرة، وأين هي السويداء الآن، وبيد من، وتحت وصاية من؟ كذلك الأمر بالنسبة الى درعا، وغداً الى مناطق أخرى وأخرى...

ذوبان في الحالة التركية أم في الحالة الاسرائيلية، حين نجد أنفسنا عند هذا الخيار الأبوكاليبتي... اما اسطنبول أو أوشليم؟ لماذا لا نقول اما القاهرة، أو الرياض، أو بغداد؟

حتماً بنيامين نتنياهو لن يترك رأس رجب طيب اردوغان على كتفيه. المنطقة أمام التسونامي الآتي، على عربة أميركية، من أقاصي التوراة. هكذا ضعنا، وهكذا نضيع، بين قبعة الكاوبوي وقلنسوة الحاخام. الطربوش العثماني في مهب الريح...

الأكثر قراءة

بعد تألقه عبر مواقع التواصل الإجتماعي..هذه هي نصائح عيسى شما للشباب!