اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لم تعد الحياة سهلة في لبنان، البلد الذي يعاني من أزمة سياسية واقتصادية طاحنة، لم يشهدها في تاريخه الحديث. ففي ظل هذه الازمات التي تعاني منها البلاد، وهذا الانهيار الكبير الذي نعيشه، تتخبط معظم العائلات اللبنانية أمام تحديات عديدة، لمواجهة الظروف المعيشية الصعبة التي وصلت إليها البلاد، واقع يستوجب دق ناقوس الخطر، في ظل غياب المقومات التي تحمي الفئات الأكثر ضعفا في المجتمع، فلا حماية اجتماعية ولا خدمات صحية، عدا الوحدة والإهمال وسوء المعاملة وأحيانا العنف، فلا قانون يحمي مسني لبنان.

يواجه كبار السن تحديات يومية لتأمين احتياجاتهم الأساسية، من غذاء ودواء ومسكن، ويكشف الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين، أن عدد المسنين في لبنان الذين تجاوزوا سن الـ 64، يبلغ 851,258 ألف شخص، ما يشكل 15 في المئة من اللبنانيين".

ورغم أن هذه النسبة هي الأعلى بين الدول العربية، لا يزال لبنان من أضعف البلدان في المنطقة في تأمين الحماية الاجتماعية لكبار السن، إذ يعتمد حوالى 80% منهم على أسرهم للحصول على الدعم المالي، أو على مدخراتهم التي فقدت قيمتها إن وجدت، كما أن معظمهم لا يتلقون أي معاش تقاعدي أو دعم مالي من الدولة على الإطلاق.

ويعد لبنان من البلدان العربية التي تشهد انتقال الديموغرافيا سريعا نحو شيخوخة المجتمع، التي تعد ظاهرة ديموغرافية تتسم بزيادة نسبة كبار السن بالنسبة إلى الشباب، وهي ناتجة من عدة عوامل تشمل انخفاض معدلات الولادة، وارتفاع متوسط العمر المتوقع، بالإضافة إلى هجرة الشباب إلى الخارج بحثا عن فرص أفضل.

وأشارت مسؤولة شؤون السكان في الإسكوا سارة سلمان إلى أن "لبنان يشهد أسرع التحولات نحو الشيخوخة في المنطقة العربية"، وتعرف الأمم المتحدة الشخص المسن بأنه الشخص الذي يزيد عمره على 60 عاماً.

لا إصلاح جذري لمعالجة معاناة الشيخوخة

ورغم الجهود المبذولة من أجل تحسين نوعية حياة كبار السن في لبنان، إلا أن اوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية ما زالت صعبة، فالحكومة اللبنانية لم تقم بأي إصلاح جذري لمعالجة معاناة الشيخوخة والآيلين إلى التقاعد، في وقت تدور مختلف المشاريع والاقتراحات ضمن حلقة مفرغة بانتظار حل ما.

في هذا السياق، وقي ظل المرحلة الصعبة والحرجة التي يمر بها لبنان، وفي إطار تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وفي ظل الحاجة الملحة إلى تأمين نوعية حياة جيدة ودمج مجتمعي حقيقي لكبار السن، أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية عن خطة العمل التنفيذية للاستراتيجية الوطنية لكبار السن في لبنان (2020–2030)، بهدف تحقيق رؤية طموحة للبنان كمجتمع شامل لجميع الأعمار، أعدتها الوزارة بدعم من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) وصندوق الأمم المتحدة للسكان، فهل تبصر النور أم تبقى خطة معلنة تنتظر التنفيذ؟

ولفتت " الإسكوا" الى ان خطة العمل التنفيذية "تركز على ستة محاور رئيسية هي: تعزيز الصحة النفسية والجسدية لكبار السن، ضمان الأمان الاقتصادي والاجتماعي لهم، تعزيز مشاركتهم الفاعلة في المجتمع، مساندة العائلة وضمان التكافل بين الأجيال، توفير بيئة مادية آمنة وداعمة وصديقة لكبار السن، والوقاية من العنف وحماية مَن هم معنّفون ومَن يعيشون في مناطق الأزمات والنزاعات".

شيخوخة "قاتمة"

شيخوخة "قاتمة" تطل برأسها على موظفي الدولة، الذين اختاروا قبل سنوات العمل في القطاع العام وإن كان براتب أقل من القطاع الخاص، وذلك بهدف الحصول على تعويض يسندهم في كبرهم وتغطية صحية تضمن عدم موتهم على أبواب المستشفيات، لكنهم صدموا لأن تعويضاتهم أصبحت بلا قيمة مع ارتفاع سعر صرف الدولار.

 فالعم سامي السبعيني عبّر عن اسفه لما وصل به الحال بكلمات تملؤها الحسرة والتعب: "لا ضمان ولا أمان ولا حتى أمل، كتب علينا أن نعمل إلى أن نصل إلى القبر" ، فهو متقاعد خسر مدخراته في المصارف، ومعاشه التقاعدي لا يكفي قوته اليومي، وجل ما يخشاه أن يمرض ويموت على أبواب المستشفيات، فلا قدرة له على الاستشفاء. وأضاف " الدولة شاخت ولا حياة لمن تنادي".

 وتجاري العم سامي السيدة سامية  بالرأي، وهي في السبعين من عمرها فتقول: "كل الصرخات التي نرفعها لا تلقى آذاناً صاغية "، وتضيف "أخشى على نفسي أن أبقى بلا عكاز، فالظروف الاقتصادية تدفع أبنائنا الى الهجرة هرباً من الأزمة الاقتصادية".

 حال العم سامي والسيدة سامية كحال العدد الأكبر من كبار السن في لبنان، المحرومين من أدنى حقوقهم، والمفروض عليهم تحمل الألم والمعاناة، لأن لا ضمان لشيخوختهم في بلدهم، في وقت لا يملك أولادهم المال لتأمين ما يحتاجون اليه من طعام وطبابة واستشفاء ودواء.

يذكر أن مجلس الوزراء اقر في جلسته بتاريخ 19/12/2004 مشروع قانون انشاء نظام للتقاعد والحماية الاجتماعية (ضمان الشيخوخة)، وذلك بعد دمج مجموعة مشاريع كانت قد أعدت لهذه الغاية، واجراء بعض التعديلات عليها، استناداً الى الملاحظات التي تمّ طرحها خلال مناقشة المشروع.

المتقاعدون هم إحدى الفئات المهمشة

أشارت الأستاذة الجامعية والخبيرة في شؤون كبار السن، منال سعيد حوراني إلى أن المتقاعدين هم احدى الفئات المهمشة في لبنان، ومن يدفعون ثمن الأزمة الاقتصادية. فالمتقاعدون منهم خسروا الأموال التي ادخروها وتعويض نهاية الخدمة، بعد حجز المصارف عليها، وتآكل قيمتها مع انهيار سعر صرف الليرة، كما أن صناديق الضمان والتعاضد ووزارة الصحة لا تغطي التكاليف الصحية الباهظة، وزاد الطين بلّة، ارتفاع أسعار الأدوية".

هنا تجدر الإشارة إلى أن "المؤسسة الدولية لكبار السن"، اشارت في تقرير لها إلى أنه "مع انهيار أنظمة الدعم والرعاية التي اعتمد عليها كبار السن في الماضي، سواء من خلال البرامج الحكومية أو القطاع الخاص أو المنظمات غير الحكومية أو الشبكات الأسرية، وجد العديد منهم أنفسهم من دون أي مصدر للدخل، أو مجبرين على العمل حتى بعد سن التقاعد".

الوضع يتطلب تدخلات سريعة

في البلدان المتحضرة يعتبر المسنون المحرك للعجلة الاقتصادية بحسب حوراني "كون لديهم متسع من الوقت للسياحة، والقيام بنشاطات والمشاركة في المجتمع، أما في لبنان، وفي ظل الأزمة الحالية وغياب أي أمن مالي لكبار السن، انتفت الشيخوخة النشطة التي تتطلب إدراكاً واستقلالاً جسدياً ومادياً، والحل يكمن في إعادة دور مؤسسات الدولة، ووضع خطة تعاف تأخذ بعين الاعتبار السياسات، التي تحسن نوعية حياة كبار السن. فمهما يكن الدور الذي يؤديه المجتمع المدني حاليا، فلا غنى عن دور الدولة والوزارات المسؤولة عن كبار السن".

المسنون في لبنان يحتاجون إلى بصيص أمل، ومساندة ماسة وسط الانهيار المعيشي الذي أصاب الجميع في الصميم، وأوقع بهم في دوامة من اليأس، فالوضع يتطلب تدخلات سريعة تسهم في تخفيف العبء الاقتصادي والاجتماعي عنهم وعن أسرهم، وتساعد على تعزيز مشاركتهم في الحياة العامة، وتوفر التمويل اللازم لتنفيذ السياسات والبرامج، فضمان الشيخوخة حلم يراود كل مسني العالم، فهل يصبح الحلم حقيقة في لبنان؟

الأكثر قراءة

دعم دولي لولادة حكومية قيصرية بثقة متواضعة الدوحة تعود الى بيروت من جديد... دعم للمؤسسات ونفط وغاز واشنطن لنتنياهو: لاستبعاد خيار تجدد المعارك في لبنان