اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


متى ينفجر الصراع بين ايران وتركيا حول سوريا؟ الأميركيون والاسرائيليون يتوقعون حدوث ذلك في أي لحظة. حقان فيدان، وزير الخارجية التركي شن حملة صاعقة على ايران التي لا ندري كيف لها أن تؤثر، ان ببعدها الجغرافي، أو ببعدها الايديولوجي، في الساحة السورية التي تدار من الاستخبارات التركية مثلما تدار الرسوم المتحركة.

الاجابة من الداخل التركي. رجب طيب اردوغان يشعر بأن بنيامين نتنياهو يدفعه أكثر فأكثر نحو الزاوية في سوريا، دون أن يستطيع المواجهة، ولو بالكلام، حتى لا يسقط الطربوش العثماني عن رأسه، وحتى لا يسقط رأسه. اذاً، العودة الى ديبلوماسية الثعبان. افتعال الصراع مع ايران ليقول لرئيس الحكومة الاسرائيلية "انني حليفك، ومستعد حتى للوقوف عسكرياً الى جانبك ضد آيات الله".

لا أحد في العالم الا ويعرف كيف، ولماذا، دفعت أنقرة بالنيوانكشارية الى دمشق. ضباط أتراك قادوا تلك "العملية السحرية" التي جعلت النظام يسقط في أيام قياسية. بعد فوات الأوان لاحظ اردوغان أن شايلوك الاسرائيلي أكثر براعة بكثير من شايلوك التركي.

في الغرب، يتساءلون عن السبب الذي جعل آية الله خامنئي يعود الى التشدد بعدما كان قد أفتى، عام 2023، بـ"ضرورة التفاعل مع الخصوم". استقالة محمد جواد ظريف مؤشر على ما يحدث في طهران. ماذا وراء التحول؟ هل باتت القنبلة بين يدي المرشد الأعلى للجمهورية، بتأثيرها على معادلات الصراع، أم هي ردة فعل وقائية على الانكفاء الجيوسياسي بعد عقود من حفر الأنفاق الى ضفاف المتوسط، أم أنه التوجس من أن تجعل كل تلك الكوارث، والتي زادها هولاً الذهاب بالعقوبات الى حدودها القصوى، النظام (النظام المقدس بحسب الدستور) أمام خيار البقاء أو اللابقاء؟

الغيوم السوداء عادت لتتلبد في أجواء المنطقة. سوريا الآن حلبة الصراع. انها الفرصة التاريخية، الفرصة التوراتية، أمام نتنياهو لتفكيك، أو لتفجير، الدولة السورية. الغريب أن اردوغان الذي اضطلع بالدور العملاني في تقويض نظام الأسد لم يكتشف حتى الآن ان اعادة احياء السلطنة رهان في منتهى الغباء ما دامت الخطوط الحمراء الأميركية، والاسرائيلية (الحليفة) تحيط به وهو في قصره، وهو في غرفة نومه. بكل وضوح انه الآن ليس فقط رهينة الهيكل، قهرمانة الهيكل.

بطبيعة الحال هو خائف من التداعيات الاستراتيجية لأي اتفاق بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين حول أوكرانيا، بعدما لعب كثيراً بين واشنطن وموسكو ما دام يمسك بمفاتيح البحر الأسود. بلحظة خاطفة سقطت البيضة الذهبية من يديه، وصديقه العزيز فولوديمير زيلينسكي يثير غيظ البيت الأبيض لاحتضانه من قبل الحكومات الأوروبية. ما يؤرق اردوغان، الآن، أن تسقط دمشق من يديه أيضاً...

ماذا يعني الانفجار العسكري بين تركيا وايران؟ أن يتحول البلدان الى حطام. هذا ما لا تبتغيه اسرائيل فحسب. أميركا أيضاً التي تعتبر أن الشرق الأوسط، وهو الخاصرة الفائقة الحساسية بالنسبة الى الصراع في الشرق الأقصى، يفترض ازالة أي قوة اقليمية ما زالت تعيش الترسبات الأمبراطورية على أنواعها، بالاستثارة التاريخية، أو بالاستثارة الايديولوجية، حال البلدين اللذين تفصلهما حدود جغرافية تبلغ 560 كيلومتراً، وحدود تاريخية بدأت بالمعركة التي دارت، عام 1603،  بين عباس الأول الفارسي وأحمد الأول العثماني.

مثلما تركيا في قلب سوريا، اسرائيل في قلب سوريا. لا تمكن الاستهانة بتهديد نتنياهو لأحمد الشرع (ضمناً لأردوغان) من "ايذاء" الدروز في جرمانا التي هي أحد المداخل الرئيسية الى دمشق، ولا تمكن الاستهانة بالتمدد الاسرائيلي في الجنوب السوري، وحيث الخاصرة الرخوة للمدينة. من الضواحي يمكن رؤية دبابات الميركافا (الفيلة الفولاذية) بالعين المجردة.

جهات عربية وسورية تتخوف من أن يبرم اردوغان، وهو في عنق الزجاجة، صفقة مع نتنياهو، ان بعقد الصلح بين دمشق وأورشليم، أو باقامة كوندومينيوم تركي ـ اسرائيلي لادارة سوريا. الجانبان يتطلعان بشراهة الى حقول الغاز في المياه الاقليمية السورية، وحيث يحكى عن احتياطيات هائلة. نتنياهو، توراتياً، على الأقل، لا يريد وجوداً للدولة السورية.

حين تكون سوريا في دائرة الخطر يكون لبنان في دائرة الخطر. الاسرائيليون على الأرض اللبنانية، وهم أيضاً على الأرض السورية، أي أنهم من يتولون ادارة الأحداث في البلدين اللذين يعانيان من التصدعات السوسيولوجية، ان على المستوى السياسي أو على المستوى الطائفي (والاثني)، وبوجود ادراة أميركية لا يمكن لأحد أن يتكهن لا بفلسفة عملها، ولا بطريقة عملها. وان كان الثابت أن الشرق الأوسط الذي نعرفه لن يكون اياه الشرق الأوسط. كيف؟ لا اجابة...

ما انعكاسات "الحالة السورية" على المشهد اللبناني؟ بالرغم من انتخاب الرئيس جوزف عون بأغلبية مؤثرة، وبالرغم من تشكيل حكومة الأضداد، ما زال البعض يرى أن يذهب بالمغامرة الى حدودها القصوى، والافادة من الاختلال المروع الذي حدث في موازين القوى، لنكون مرة أخرى، وأخرى، اما ضحايا لعبة الأمم أو ضحايا لعبة الطوائف.

دائماً مراقصة النيران. دائماً مراقصة الكوارث!!...

الأكثر قراءة

محادثات بناءة لعون في الرياض وتحديات امام قمة القاهرة قلق من «فخ» ملف اعادة الاعمار وطريق التعيينات سالكة استنفار سياسي درزي لمواجهة الفتنة والفوضى والتقسيم