د. منير الحايك
لقد حاول كثيرون من كتّاب الأدب، وخصوصًا الروائيين منهم الهروب في أثناء كتابة السيرة، بأن صنّفوا كتابتهم بأنها سيرة روائية أو رواية سيرية أو غير ذلك، ولكن أن تقرأ رواية مشغولةً بأسلوب السيرة والمذكرات، فهو تبسيط لا يتوقّعه المتلقي من كاتب معاصر، في ظلّ الهجمة الكبيرة على الروايات التاريخية أو الروايات التي فيها من الألعاب السردية والجديد والتعقيد وغير المتوقَّع الكثير، هذه الرواية هي "مع مرتبة الشرف" (دار دوّن 2025) لعمرو حسين.
هي حكاية، أو مذكّرات الشاب المصري، وليد أبو المكارم، ابن الطبيب سعيد والطبيبة منيرة، وشقيق الطبيبة مروة، وكما كان متوقَّعًا، كان لا بدّ وأن نلاحق قصة الطبيب وليد، ولكننا سنلاحق حكاية شابّ مصريّ، تشبه حكايات آلاف الشباب في مصر، وفي العالم العربي، وفي العالم إن جاز التعبير، أراد "التحرّر" من السائد ومن المتوقَّع وملاحقة حلمه، الباشمهندس وليد، مهندس الاتصالات، والذي سيحصل مع مرتبة الشرف على شهادة الدكتوراه مع نهاية النصّ. المهندس وليد يشبه في تخصصه تخصّص عمرو حسين، وهو بالفعل في مثل سنّه، ولكن من هو "وليد أبو المكارم" بالفعل؟
أقول إنّه أنا، وعمرو، وغيرنا من الذين أرادوا ملاحقة أحلامهم، وواجهوا ما واجهوه من تعقيدات مجتمعاتهم وعاداتها، ومن تعقيدات قوانين بلادهم البالية، وواجهوا الحبّ وقاوموا في سبيله، كما فعل وليد مع وسام، اللذان سيسيران معًا أخيرًا نحو الزواج، تعقيدات قصتهما التي كانت متوقَّعة، وجميع أحداث قصتهما بما شابها من أزمات مالية وتشطيبات الشقة التي لم تنتهِ حتى نهاية النص، وطلبات الأهل، ومحاولات الوغد حاتم في العمل، كلها متوقَّعة وقد يظن من يقرأ كلامي بأنها كانت متوقّعة أنّ ما سيقرأه سيكون تكرارًا، وسيكون استهلاكًا وضعفًا، ولكن برأيي، كان الغاية الأولى المقصودة من الرواية، وهي أن أقرأ قصتي البسيطة عن حياتي البسيطة فيها، فتثير فيّ الحنين والنوستالجيا والبكاء، وقد نجح الكاتب بالوصول إلى تلك الأعماق، وهذه برأيي براعة وحنكة، وجديد.
قصة الطموح وملاحقة الحلم، وحكايات الألف ميل التي لن تنتهي مع نهاية الميل رقم ألف، وحكاية الدكتورة "حنان" التي عاملت الطالب بلؤم ليشتد عوده فيقوم بتحديها وتحدي ذاته، والتي ستخبره في النهاية بأنها تعلّمت منه أيضًا، والعمل والتعب في وظيفتين أو أكثر، والصديق، محسن، الذي بدأت علاقته به من خلال التحدي الدراسي على المراكز الأولى، كلها أمور متوقَّعة أيضًا، والسفر والتعب والدراسة، وكيف أوشك وليد على إقامة علاقة مع سارة التي اكتشف أنها ملاك وشيطان في آن والتي معها كتشف الفوارق في المجتمعات وعادات أفرادها، كلها من ضمن المتوقَّع الذي ما عدتُ انتظرتُ أن أقرأ غيره، فكيف أقرأ قصّتي، إن لم أكن أعرف أحداثها؟
سيقرأ المتلقي قصته بالفعل، وهي أن يلاحق حلمه وحبّه، والتي كانت مع وليد من خلال ملاحقة حلم البحث العلمي، والتي يمكن أن يكون كل منا قد لاحقه بوصفه فنّانًا أو حرفيًّا أو مدرّسًا حتى، وقد بسّط حسين القصة لتمسّ كلّ واحد ممن سيقرأها، فهو بالفعل ستكون لديه علاقات مع بلّاط أو سبّاك أو متعهّدٍ كذب عليه، وسيكون قد جلس مع والده وناقش أمورًا ما، وسيكون قد فقد عزيزًا كما فقد وليد أمه، وسيفرح لخطبة أخته أو شخص قريب يحبّه، وما أكرّره في الكلام هنا هو بالفعل ما كررته الرواية، ليس تكرارًا في أحداثها، فهي بدأت مع فصل بعنوان "أجمل يوم في حياتي"، وهو ما سيذكره لنا وليد عندما قرر كتابة مذكراته، وهنا حاول حسين أن يقدّم لعبة سردية، ولكنها كانت ببساطة قصة نصّه، وكانت مناسبة له بشكل كبير ومقبول جدًّا.
"مع مرتبة الشرف" هو نصّ روائي لغته سردية وسلسة وسريعة بشكل أعطاها ميزة كبيرة لأنها مناسبة للنص، فسرعة السرد كانت بسبب سرعة الأحداث، وسلاسة اللغة وبساطتها، مع سلامتها وقوتها، مناسبة لبساطة الأحداث، وقربها من لغة أيّ قارئ بسبب قرب الأحداث من حياة هذا القارئ. أما العنصر الأقوى والأعمق، فهو إبعاد الكاتب نصه إلى حدّ كبير جدًّا عن المحكية، لأنّ النص، وهنا أكرر أيضًا، هو مذكرات وسيرة كل طالب من أبناء مجتمعاتنا العربية أو المشرقية.
حاول الكاتب، وهنا أقول إنّه مأخذ على الرواية، أن يُقحِم بعض الكلام التنظيري الذي قاله وليد، في بعض مقدّمات الفصول، ربطه في أهمية السعي وراء تحقيق الذات والأحلام، وأهمية الحرية والتحرر من التقاليد والقيود المجتمعية، وهذا أمر أثّر على فرادة النصّ، والتي برأيي كانت بالتبسيط الذي قدّمه، فمهما حاول الكاتب إضفاء مزيد من الثقافة والذكاء والعمق والمميزات على كلام شخصياته، إلا أنّ الواقعية، أو "الحقيقيّة" إن أمكن القول التي ظهرت بها، هي ما ميزتها، فلو تُرِكت على سجيّتها، لكانت كل صفحات الرواية متشابهة، وكل شخصياتها تشبهنا من دون تنميق.
قبل أن أنهى أودّ الإشارة إلى بعض الصور التي أثارت فيّ بشكل شخصيّ شعورًا بالحنين ضربت على أوتار لا يصل إليها أيّ نصّ أدبي. اختيار الجامعة وإيجاد الوقت المناسب للحديث مع الأب. العلاقة مع طبيخ الأم. العلاقة مع الدكتورة المشرفة في النهاية. وأهمها العلاقة مع "وسام"، واختيار اسم غريب، أمر ذكيّ من الكاتب وهو تأكيد على ما ذكرته من إغراق في الواقعية، وصراعات الشابّ بين عقله وقلبه، وقد ذكرها النصّ بهذه المسميات بكل بساطتها، ومواقف والدها... فمن منّا لم يمرّ بمثل تلك المواقف، وهو بعدُ طالبًا، يظنّ أنه يستطيع تغيير العالَم!
هذا النصّ هو حاجة للرواية العربية المعاصرة، لأنّ التبسيط عندما يصبح غايةً، تُشغَل بعناية وحِرفية وإتقان، سيقدَّم كما قدّمه عمرو حسين، ونجح فيه نجاحًا باهرًا، مع مرتبة الشرف.
يتم قراءة الآن
-
السعودية ستُرَخّص بيع الكحول في مواقع محددة في عام 2026
-
أيها الإيرانيّون... فليذهب الى الجحيم
-
الجنوب يقترع... تثبيت للخيارات التاريخية وسط استحقاق «البلديات» <أم المعارك> في جزين وسباق مفتوح في صيدا الزوار الاميركيون بالجملة وعروض لـ«الثنائي» و15 حزيران تسليم سلاح مخيمات بيروت
-
حين تنتصر البلدة للفكر الجديد دون أن تتخلى عن جذورها
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
22:55
مرشح نتنياهو لرئاسة الشاباك ديفيد زيني: لا يوجد عدد كاف من القوات في كل منطقة، وهدف الحرب الرئيس هو ضمان عدم تعرض سكان إسرائيل لأي تهديد من غزة.
-
22:54
هيئة البث "الإسرائيلية": نتنياهو يعقد جلسة لوزراء ولقادة أجهزة الأمن بعد توتر بين المستويين السياسي والعسكري.
-
22:54
هيئة البث "الإسرائيلية": نفقات الجيش تجاوزت ميزانيته بأربعة مليارات دولار في هذه المرحلة من العام، وسموتريتش وبخ المؤسسة الأمنية بسبب ارتفاع النفقات لتوسع القتال في مناقشة عقدها نتنياهو.
-
22:19
المبعوث الأميركي إلى سوريا: بسقوط نظام الأسد فتح باب السلام وبرفع العقوبات نتيح للشعب السوري فتح ذلك الباب، وولادة سوريا الجديدة تبدأ بالحقيقة والمساءلة والتعاون مع المنطقة.
-
22:19
المبعوث الأميركي إلى سوريا: مأساة سوريا ولدت من الانقسام وولادتها مجددا تأتي من الكرامة والوحدة والاستثمار في شعبها، وتقسيم الغرب المنطقة وسوريا كلف أجيالا بأكملها ولن نكرر هذا الخطأ.
-
22:19
المبعوث الأميركي إلى سوريا: الغرب فرض حدودا مرسومة بالحبر واتفاقية سايكس بيكو قسمت سوريا والمنطقة لأهداف استعمارية، وزمن التدخل الغربي انتهى والمستقبل في حلول إقليمية وشراكات قائمة على الاحترام.
