اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


حجم الضغوط على لبنان من قبل ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب لم تبلغ ذروتها بعد، وليس محسوما السقف الذي يمكن ان تصل اليه هذه الضغوطات، في ظل عدم وجود تصور واضح حتى الآن، لكيفية مقاربة المرحلة المقبلة لجهة دور وقدرة السلطة السياسية الجديدة، التي تمسك بزمام القرار في البلد، في تنفيذ الاجندة الاميركية القائمة على عنوان وحيد، القضاء على حزب الله سياسيا وامنيا واجتماعيا واقتصاديا لمصلحة "الاسرائيليين"، الذين تولوا المهمة "القذرة" بتوجيه ضربات قاسية للجسم العسكري والسياسي للحزب، واستهدفوا بيئته الحاضنة، ويصرون اليوم بدعم اميركي على عدم اطلاق عملية اعادة الاعمار دون اثمان سياسية.

اذا، توقف الامر عند "لي الذراع" بمسألة اعادة الاعمار، فان الامر يعتبر بمثابة معجزة، كما تقول اوساط سياسية بارزة، لان الاستراتيجية الترامبية الجامحة لا تتوقف عند اي حدود منطقية او واقعية، والرسائل الاميركية غير الرسمية حتى الآن، والتي تتحدث عن ضرورة دخول لبنان في مرحلة التطبيع مع "اسرائيل"، جزء من اللامنطق الذي يحكم العقلية الحاكمة في البيت الابيض، والتي تتجاهل الواقع اللبناني الغير القابل للدخول في هذه المتاهة، وهي بمثابة وضع للعربة امام الحصان.

 فلبنان رسميا لا يزال في حالة حرب مع "اسرائيل" التي تحتل ارضه وتعتدي عليه، "والف باء" السياسية تفترض ان تقوم اميركا كدولة راعية لكيان الاحتلال، باجباره على تنفيذ القرارات الدولية واحترام الاتفاقات الموقعة، واستعادة لبنان لسيادته برا وبحرا وجوا، ثم الحديث عن فتح صفحة جديدة من العلاقات قد تنتهي بالتطبيع في يوم ما.

هذا في العلاقة بين دول متجاورة لديها مشاكل حدودية، فكيف اذا كان للبنان ثأر لا ينتهي مع دولة معتدية قتلت ابنائه، وسببت للمئات منهم باعاقات دائمة، واحتلت ارضه، ودمرت قراه ومدنه، ولا يزال البحث جاريا عن جثث الشهداء بين الركام، فضلا عن بُعد عقائدي لدى غالبية لبنانية تعتبر العداء جزءا من عقيدة دينية وانسانية، فيما القسم الآخر المتذبذب في موقفه، ومهما بلغت وقاحته، لا يمكن ان يتجاوز الموقف العربي الجامع المنبثق عن قمة بيروت، والذي ربط اي تطبيع للعلاقات بولادة دولة فلسطينية على حدود 1967. ولهذا يعتبر الضغط في هذا الاتجاه قصور في فهم طبيعة الواقع اللبناني غير القابل للتغيير مهما بلغت الضغوط.

في هذا الوقت، تحاول واشنطن تهيئة الارضية لمشروعها التطبيعي، من خلال رفع مستوى الضغط على السلطة السياسية الوليدة، لاتخاذ اجراءات عملية ضد حزب الله، ومن يواكب الحملة التي يخوض غمارها بعض الداخل ، وفي مقدمتهم "القوات اللبنانية" والكتائب"، ويفهم ان ثمة استعجالا اميركيا في حرق المراحل للوصول الى نتائج سريعة، تفضي الى اخراج حزب الله من المعادلة.

 وهكذا ترتفع الاصوات ليل نهار للمطالبة بنزع سلاح المقاومة، وفق جدول زمني محدد، ودون تقديم اي اجوبة حيال كيفية حصول ذلك؟! وثمة محاولة واضحة للضغط على رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، للمضي قدما في تنفيذ بنود خطاب القسم والبيان الوزاري، علما ان الخطوط العامة الواردة في متنهما تتحدث عن طموحات واهداف لكن غير متهورة، وهي تقوم على بناء دولة قوية بالتوافق والتفاهم بين مكوناتها، وليس عبر محاولة اقصاء اي طرف، وهو ما لم تستوعبه جيدا القوى المتحالفة مع واشنطن وتزايد عليها في بعض الاحيان.

وفي هذا السياق، تشير تلك الاوساط، الى ان ثمة خطا بيانيا واضحا التزم به رئيس الجمهورية، عنوانه عدم تحميل العهد "ما لا طاقة له به"، فثمة اولويات لا يمكن التغاضي عنها، اولا تحرير الاراضي اللبنانية، ووقف الاعتداء على السيادة اللبنانية، وتقوية الجيش، وبعدها يمكن الدعوة الى حوار حول الاستراتيجية الوطنية، للتوافق على حصرية السلاح بيد الدولة، وغير ذلك يعد انتحارا جماعيا لا يمكن الاقدام عليه، وثمة "خط احمر"  لن يجرؤ اي عاقل على تجاوزه، وهو افتعال الصدام بين الجيش وحزب الله، وهو امر غير موجود في اجندة العهد، ولا لدى المقاومة، وثمة تفاهم ضمني على ان كل شيء قابل للنقاش لكن في التوقيت والمكان المناسبين.

لكن، اذا كان الصدام العسكري الداخلي مستبعد، فان السلطة السياسية تقف امام تحدي كبير يحتاج قرارات قطعية لا تقبل اي مساومة، لمواجهة التواطؤ الأميركي- "الإسرائيلي" الذي يسعى لتكريس مسار سياسي يشكل امتداداً للحرب، من خلال ربط الأميركيين عملية إعادة الإعمار بشروط سياسية، والسعي لإطلاق ثلاث لجان ديبلوماسية وليس عسكرية، لبحث ملفات عالقة مع العدو "الإسرائيلي"، وزج لبنان ضمن منظومة إتفاقيات السلام الإبراهيمية. واذا كان حزب الله قد اعلن ان المرحلة قد تفرض أدوات مواجهة مختلفة لمنع الهيمنة الاميركية "الاسرائيلية"، فلا استراتيجية واضحة حتى الآن لدى الحكومة والسلطة السياسية، لمواجهة تحدي اعادة الاعمار. علما ان حزب الله يواصل دفع مستحقات اعادة الاعمار الجزئية وضمنها تعويضات الايواء واثاث المنازل، وتجاوز الملبغ المدفوع للمتضررين الـ 700مليون دولار حتى الآن، ولم تتراجع طهران عن وعدها بالتزام اعادة الاعمار، الا انه لا خطوات عملية حتى الآن من قبل الدولة، وهي مسالة تحتاج لحلول سريعة، قبل ان تتحول الى صاعق تفجير يصعب التحكم به.

في الخلاصة، "قواعد اللعبة" تبدلت في الداخل والمنطقة، ثمة هجمة اميركية –"اسرائيلية" لا تقف عن حدود، وتحاول منع الطرف الآخر من التقاط الانفاس، لكن الساحة اللبنانية ذات خصوصية معقدة لا تحتمل المغامرات، واي "دعسة ناقصة" قد تدخل البلاد في فوضى عارمة، لان الطرف المستهدف لم يخرج من المعادلة، العهد يدرك ذلك ويسعى الى تجنب الاسوأ، ويتعامل مع الوقائع بحكمة حتى الآن، لكنه يسير في "حقل الغام" داخلي وخارجي، في ظل تهديد إسرائيلي دائم!

 

الأكثر قراءة

شروط أميركية وتحذير لـ«الترويكا»... اسبوعان للتجاوب والا! تهجُّم على الجيش اللبناني لضبطه الوضع في الهرمل