اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


تمثل فترة الشباب مرحلة حاسمة في بناء القدرات الذهنية والمعرفية، حيث تشهد نمواً سريعاً في المهارات العقلية واكتساب الخبرات التي تحدد مسار الحياة المستقبلية. غير أن أبحاثاً علمية حديثة كشفت عن تأثير مقلق للأنظمة الغذائية الغنية بالدهون والسكريات على الوظائف المعرفية، خصوصاً فيما يتعلق بضعف الذاكرة لدى الشباب.

تشير الأبحاث إلى أن تناول كميات كبيرة من الأطعمة الدهنية والمشبعة بالسكريات يؤدي إلى تغييرات سلبية في مناطق الدماغ المرتبطة بالتعلم والتذكر، مثل الحُصين، وهو الجزء المسؤول بشكل رئيسي عن معالجة المعلومات وتخزين الذكريات. وقد لوحظ أن الشباب الذين يعتمدون بشكل مفرط على الوجبات السريعة والمشروبات المحلاة يظهرون أداءً أضعف في اختبارات الذاكرة مقارنة بأقرانهم الذين يتبعون نظامًا غذائيًا متوازنًا.

تُفسَّر هذه الظاهرة بسلسلة من الآليات البيولوجية المعقدة التي توضح كيف تؤثر الدهون والسكريات بشكل مباشر في صحة الدماغ. فمن ناحية أولى، يؤدي الاستهلاك المفرط لهذه الأطعمة إلى تحفيز استجابات التهابية مزمنة داخل الجسم، تشمل الجهاز العصبي المركزي، مما يساهم في تعطيل بيئة الخلايا العصبية الطبيعية. إذ تشير الدراسات إلى أن الالتهاب المزمن يمكن أن يضعف الروابط العصبية المسؤولة عن تكوين الذكريات واسترجاعها، ويؤثر في مرونة الدماغ في التعلم والمعالجة المعرفية.

ومن ناحية أخرى، يتسبب النظام الغذائي الغني بالدهون والسكريات في تقليل حساسية مستقبلات الإنسولين داخل الدماغ، وهي المستقبلات التي تؤدي دورًا محوريًا في دعم العمليات المعرفية، بما فيها الذاكرة والانتباه واتخاذ القرار. إذ لا يقتصر دور الإنسولين على تنظيم مستويات السكر في الدم فحسب، بل يمتد إلى تعزيز التواصل بين الخلايا العصبية وتحفيز عمليات النمو العصبي، مما يجعل تراجع حساسيته عاملًا خطرًا يهدد الوظائف الذهنية على المدى القريب والبعيد.

بالإضافة إلى ذلك، تسهم الأنظمة الغذائية المرتفعة بالسعرات الحرارية في زيادة إنتاج الجذور الحرة داخل الجسم. وهذه الجزيئات النشطة تُلحق أضرارًا مباشرة بالبروتينات والدهون والأحماض النووية في الخلايا العصبية، مما يؤدي إلى تدهور بنيتها الوظيفية ويحد من قدرتها على إرسال الإشارات العصبية بفعالية. ومع تزايد تراكم الجذور الحرة دون وجود دفاعات مضادة كافية من مضادات الأكسدة، يصبح الدماغ أكثر عرضة للتلف وفقدان الكفاءة المعرفية.

الأمر اللافت أن هذه التأثيرات السلبية لا تحتاج إلى سنوات لتظهر، بل يمكن أن تتجلى خلال فترة قصيرة من الاعتماد على هذا النمط الغذائي. فقد أظهرت تجارب مخبرية دقيقة أن تناول وجبات عالية الدهون والسكريات لمدة لا تتجاوز أسبوعًا واحدًا قد يؤدي إلى تراجع ملحوظ في أداء الذاكرة والانتباه لدى الشباب، مما يعكس هشاشة الدماغ أمام العادات الغذائية غير الصحية حتى في مراحل عمرية مبكرة يفترض فيها أن يكون الأداء العقلي في ذروته.

في ضوء هذه النتائج المقلقة، يؤكد الأطباء وخبراء التغذية على ضرورة كسر النمط السائد الذي يربط الاهتمام بصحة الدماغ بالتقدم في السن فقط. فالوقاية تبدأ من الطفولة والشباب، عبر تبني نظام غذائي غني بالعناصر الغذائية المفيدة مثل الفواكه، والخضراوات، والبروتينات الصحية، والحد من استهلاك الأطعمة المعالجة والغنية بالسكريات والدهون المشبعة. إذ إن الحفاظ على تغذية متوازنة لا ينعكس فقط على صحة الجسم البدنية، بل يشكل حجر الأساس لصقل القدرات الذهنية وبناء مستقبل معرفي أكثر قوة واستدامة.

الأكثر قراءة

اقبال متوسط وإشكالات أمنية في انتخابات الشمال عون في الكويت: نحن بحاجة لاستثمارات لا لهبات ترامب الى السعودية... سفير اميركا في «اسرائيل»: الرئيس لن يعترف بدولة فلسطينية