اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


تعد بكتيريا الإشريكية القولونية أحد الكائنات الدقيقة التي تعيش بشكل طبيعي في الأمعاء البشرية، وهي غالبًا ما تكون غير ضارة. ومع ذلك، فإن بعض أنواع هذه البكتيريا قد تتحول إلى عوامل ممرضة، وقد تؤدي إلى الإصابة بالعديد من الأمراض، بما في ذلك التسمم الغذائي. على الرغم من أن معظم الناس لا يتعرضون لأعراض خطرة نتيجة وجود هذه البكتيريا، فقد أظهرت الدراسات الحديثة ارتباطًا مثيرًا للقلق بين وجود بعض سلالات الإشريكية القولونية وبين زيادة احتمالات الإصابة بسرطان القولون والمستقيم، خصوصًا عندما يتم التقاطها في مرحلة الطفولة.

تعتبر الإصابة ببكتيريا الإشريكية القولونية خلال الطفولة أمرًا شائعًا، حيث يكون الأطفال أكثر عرضة للإصابة نتيجة لتناول الطعام الملوث أو المياه الملوثة أو الاتصال مع أفراد آخرين يعانون من هذه العدوى. في العادة، يتعامل جهاز المناعة لدى الأطفال مع هذه العدوى بشكل طبيعي، لكن في بعض الحالات قد تؤدي هذه العدوى إلى تغيرات جينية أو بيئية في الأمعاء، وهو ما يُعتقد أنه قد يسهم في حدوث اضطرابات معوية مزمنة قد تزيد من احتمالية الإصابة بسرطان القولون والمستقيم لاحقًا في الحياة.

أظهرت الدراسات التي أجراها باحثون من مختلف أنحاء العالم أن بعض سلالات الإشريكية القولونية قد تحتوي على عوامل ضارة تُسمى السموم المعوية التي يمكنها إحداث ضرر مباشر للأنسجة في الأمعاء. ومن بين هذه السموم، تلك التي تؤثر في الخلايا المبطنة للقولون والمستقيم، مما يؤدي إلى تغييرات في التركيبة الخلوية وقدرتها على التجدد بشكل سليم. وتعتبر هذه التغيرات الجزيئية مهمة جدًا، حيث إنها قد تشكل بيئة مواتية لتطور الأورام السرطانية في القولون والمستقيم. ويُعتقد أن التسمم المزمن بالسموم الناتجة من بكتيريا الإشريكية القولونية قد يزيد من الالتهاب المستمر في الأمعاء، ما يعزز التغيرات الوراثية التي قد تؤدي إلى السرطان.

أما البحث في العلاقة بين بكتيريا الإشريكية القولونية وسرطان القولون والمستقيم فلا يزال في مراحله المبكرة، ولكن الأدلة الأولية تشير إلى أن العدوى بهذه البكتيريا قد تلعب دورًا في زيادة قابلية الأفراد للإصابة بسرطان القولون. علاوة على ذلك، قد تتداخل عوامل وراثية وبيئية أخرى مع هذه العدوى لتزيد من المخاطر. على سبيل المثال، الأشخاص الذين يعانون من أمراض معوية مزمنة مثل التهاب القولون التقرحي أو مرض كرون هم أكثر عرضة للإصابة بسرطان القولون بسبب التهابات الأمعاء المستمرة التي قد تساهم في نمو البكتيريا الضارة.

من الجدير بالذكر أن الطفولة هي فترة حرجة حيث يتطور جهاز المناعة والجهاز الهضمي، ولذلك، فإن التقاط العدوى من الإشريكية القولونية في هذا العمر قد يكون له تأثير طويل الأمد. تشير بعض الدراسات إلى أن الأطفال الذين يصابون ببكتيريا الإشريكية القولونية في مراحل مبكرة من حياتهم قد يعانون من مشاكل صحية مستمرة في الأمعاء على مدار حياتهم. وبالإضافة إلى ذلك، تُظهر الأبحاث أن التعرض المستمر للبكتيريا قد يؤدي إلى اختلال في الميكروبيوم المعوي، مما يساهم في تدهور وظيفة الأمعاء وزيادة قابلية الإصابة بأمراض خطرة مثل السرطان.

على الرغم من أن معظم الناس يتعرضون لأنواع غير ضارة من الإشريكية القولونية التي لا تؤدي إلى مشكلات صحية، فإن النوع الذي يحتوي على السموم المعوية يُعتبر أكثر خطورة ويحتاج إلى تدخل طبي سريع. تزداد أهمية الوقاية من العدوى بهذه البكتيريا خاصة في المناطق التي تعاني من ضعف في خدمات الصرف الصحي أو في حالات تفشي الأمراض المعدية.

في الختام، يعد الارتباط بين الإشريكية القولونية وزيادة حالات سرطان القولون والمستقيم أمرًا مثيرًا للبحث والتدقيق. من خلال تعزيز الوقاية من العدوى البكتيرية في الطفولة، سواء عبر تحسين ممارسات النظافة الشخصية أو توفير بيئة صحية أكثر أمانًا، يمكن تقليل المخاطر المرتبطة بهذه العدوى. كذلك، فإن استمرار البحث في العلاقة بين هذه البكتيريا والأورام السرطانية قد يساعد في اكتشاف طرق أفضل للوقاية والعلاج في المستقبل، وبالتالي تقليل عدد حالات سرطان القولون والمستقيم المرتبطة بهذه البكتيريا.

الأكثر قراءة

ما سر الحملة الاميركية على جنبلاط؟ محمود عباس في بيروت ودمشق لبحث السلاح الفلسطيني تحسينات على الأجور الاثنين والعام الدراسي «مبتور» ونفق المطار بلا إنارة