اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يشكّل الصداع النصفي أحد أكثر الاضطرابات العصبية شيوعًا وانتشارًا حول العالم، حيث يُصيب ملايين الأشخاص، وبخاصة النساء. وغالبًا ما يتجلى على شكل ألم نابض في أحد جانبي الرأس، ويصاحبه غثيان، تقيؤ، وحساسية مفرطة للضوء أو الصوت. وعلى الرغم من أن أسبابه الدقيقة ما زالت قيد الدراسة، إلا أن العديد من الأبحاث تسلّط الضوء على محفزات معروفة قد تثير هذه النوبات أو تفاقمها، وعلى رأسها بعض أنواع الأطعمة إلى جانب عوامل بيئية ونفسية.

تشير العديد من الدراسات إلى وجود صلة واضحة بين أنواع معينة من الأطعمة وظهور نوبات الصداع النصفي لدى الأشخاص الحساسين. فبعض المركبات الكيميائية الموجودة في الأطعمة يمكن أن تؤثر بالأوعية الدموية في الدماغ أو تُحدث اضطرابات في الناقلات العصبية، ما يؤدي إلى انطلاق النوبة. ومن أبرز هذه الأطعمة، الأجبان المُعتقة التي تحتوي على مادة "التييرامين"، والشوكولاتة التي تؤثر في تدفق الدم في الدماغ، إلى جانب المحليات الصناعية مثل "الأسبارتام" الموجودة في المشروبات الدايت، والتي تُظهر تأثيرًا مباشرًا في الجهاز العصبي لدى البعض.

إضافة إلى ذلك، تؤدي العوامل البيئية والنفسية دورًا جوهريًا في تحفيز نوبات الصداع النصفي وتفاقم حدّتها. فالتوتر النفسي المزمن الناتج من ضغوط العمل، والمشاكل العائلية، والقلق المستمر حول المستقبل، يشكّل بيئة خصبة لانطلاق هذه النوبات. ويؤدي هذا التوتر إلى إفراز هرمونات مثل الكورتيزول والأدرينالين، التي تؤثر بشكل مباشر في الأوعية الدموية والدماغ، ما يساهم في ظهور الصداع أو تعقيده. ولا يقل اضطراب النوم أهمية، إذ إن السهر المفرط أو النوم غير المنتظم يُحدث خللًا في دورة الجسم البيولوجية، ما يجعل الدماغ أكثر حساسية للمحفزات.

ومن العوامل البيئية الأخرى التي تؤدي دورًا لافتًا، التغيرات المناخية المفاجئة، مثل انخفاض الضغط الجوي أو التبدلات الحادة في درجات الحرارة، وهي عوامل ترتبط مباشرة بزيادة معدل النوبات عند بعض الأشخاص. كما أن الجلوس لفترات طويلة أمام الشاشات، بخاصة في ظل نمط الحياة الرقمي الحالي، يزيد من احتمالية الإصابة بالصداع النصفي نتيجة للإجهاد البصري والضوء الأزرق المنبعث من الشاشات.

أما على الصعيد الهرموني، فتُعد النساء أكثر عرضة من الرجال للإصابة بالصداع النصفي بسبب التقلبات الهرمونية الدورية التي تصاحب الدورة الشهرية، أو فترة الحمل، أو حتى انقطاع الطمث. ويؤدي انخفاض مستويات هرمون الإستروجين، على وجه الخصوص، إلى زيادة شدة نوبات الصداع وتكرارها، ما يجعل الرعاية الصحية الخاصة بالنساء عاملًا حاسمًا في الوقاية من هذه الحالة.

في مواجهة هذه التحديات المتعددة، يصبح من الضروري أن يتبنى المصابون بالصداع النصفي أسلوب حياة وقائيا شاملا لا يقتصر فقط على تجنّب الأطعمة المسببة، بل يشمل أيضًا التعامل الإيجابي مع التوتر، وتحقيق توازن بين العمل والراحة، والانتباه إلى جودة النوم. ويمكن أن يكون الاحتفاظ بمفكرة يومية يسجل فيها الشخص نمط أكله، وساعات نومه، ومستوى توتره، عاملًا مساعدًا على التعرف الى المحفزات الفردية وتجنّبها بفعالية. ومن المفيد أيضًا ممارسة تقنيات الاسترخاء مثل التأمل، وتمارين التنفس العميق، واليوغا، التي أثبتت قدرتها على خفض التوتر وتحسين الحالة العصبية بشكل عام.

كما ينصح الأطباء بالاستقرار على روتين يومي منتظم، وتناول كميات كافية من الماء لتجنب الجفاف، والحفاظ على نظام غذائي متوازن خالٍ من المواد الصناعية أو المنكّهات الحادة. وفي بعض الحالات، يمكن استخدام الأدوية الوقائية التي تقلل من تكرار النوبات، أو علاجات فورية تساعد في السيطرة على الأعراض في بدايتها، مما يخفف من تأثير الصداع في حياة المريض ونشاطه اليومي.

الأكثر قراءة

ما سر الحملة الاميركية على جنبلاط؟ محمود عباس في بيروت ودمشق لبحث السلاح الفلسطيني تحسينات على الأجور الاثنين والعام الدراسي «مبتور» ونفق المطار بلا إنارة