رغم انتشارها الكبير على موائد الإفطار وفي حقائب الأطفال المدرسية، تُعد العصائر الملوّنة والمحمّلة بالسكر من بين أكثر المشروبات ضررًا على الصحة العامة، خصوصًا على صحة الدم ووظائف الجسم الحيوية. فبينما يغتر الكثيرون بطعمها المنعش ومظهرها الجذاب، تغيب عن الأذهان الحقيقة المرّة: هذه العصائر ليست فقط خالية من القيمة الغذائية، بل تُعد من العوامل الأساسية المساهمة في تدهور الصحة، خصوصًا عند تناولها بشكل متكرر.
إنّ أولى التأثيرات المباشرة للعصائر المحلّاة تظهر على مستوى الدم. فبمجرد دخول كميات كبيرة من السكر المُضاف إلى الجسم، ترتفع مستويات الغلوكوز في الدم بسرعة، ما يُجبر البنكرياس على إفراز كميات كبيرة من الإنسولين لمحاولة موازنة الوضع. هذا الارتفاع الحاد والمفاجئ في السكر يخلق نوعًا من "الصدمة" للجسم، ومع التكرار، تُصاب خلايا الجسم بمقاومة الإنسولين، وهي الحالة التي تُعتبر المرحلة التمهيدية لمرض السكري من النوع الثاني.
ولعل الأخطر من ذلك هو استهلاك الأطفال لهذه العصائر، حيث أن أجسادهم الصغيرة لا تزال في طور النمو، وهم أكثر عرضة لتأثيرات السكر السلبية على الأوعية الدموية والمناعة ونشاط الدماغ. كما أن الاعتياد المبكر على الطعم الحلو يُبرمج الدماغ على طلب المزيد من السكر، مما يُمهد لطريق طويل من الإدمان الغذائي.
إلى جانب اضطراب مستويات السكر، فإن العصائر الملوّنة تحتوي غالبًا على أصباغ صناعية ونكهات كيميائية قد تتسبب في تفاعلات التهابية داخل الجسم. هذه المكوّنات تؤثر على جودة الدم، حيث تُضعف مناعة الجسم وتُحدث خللًا في توازن العناصر الغذائية في الدورة الدموية، ما يُسهّل الإصابة بالأمراض. كما أشارت بعض الدراسات إلى ارتباط الأصباغ الصناعية بزيادة مؤشرات الالتهاب في الجسم، وهي حالة مرتبطة بأمراض خطيرة مثل أمراض القلب والشرايين وحتى بعض أنواع السرطان.
هذا ولا تقتصر الأضرار على السكّر وحده، فبعض العصائر تحتوي على نسب عالية من الصوديوم أو المحليات الصناعية، ما ينعكس سلبًا على ضغط الدم. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر الكبد أحد الأعضاء الأكثر تضررًا، حيث يُضطر إلى معالجة كميات هائلة من الفركتوز المُضاف، وهو نوع السكر الأكثر استخدامًا في هذه العصائر. ومع الاستهلاك المتكرر، قد تتطور الحالة إلى مرض الكبد الدهني غير الكحولي، وهي حالة خطرة تُهدد صحة الكبد وقد تقود إلى تليفه.
أمام هذا الواقع، يبقى الحل في الوعي والاعتدال. فاختيار العصائر الطبيعية غير المُحلّاة، أو استبدالها بالماء المنكّه بالفواكه الطازجة أو الأعشاب مثل النعناع، يُعتبر خطوة إيجابية نحو حماية الجسم. كما يجب على الأهل توعية أطفالهم بمخاطر المشروبات الصناعية، وتعزيز ثقافة الأكل والشرب الصحي داخل المنزل والمدرسة.
إن الأضرار الصحية الناتجة من العصائر الملوّنة والملأى بالسكر لم تعد مجرد تخمينات، بل هي حقائق موثّقة علميًا تؤكد الحاجة إلى تدخل فردي وجماعي للحد من استهلاكها. فالمسؤولية تبدأ من الأسرة، لكنها لا تنتهي عندها؛ إذ يجب أن تشمل أيضًا سياسات توعية وطنية وتشريعات تُلزم المصنّعين بإظهار نسب السكر والألوان المضافة بوضوح، وربما الحد من توزيع هذه المنتجات في المدارس والأماكن العامة.
فالصحة العامة لا تُبنى على العلاجات فقط، بل على الوقاية، والوقاية تبدأ أحيانًا بكوبٍ نمتنع عن شربه.
يتم قراءة الآن
-
خرق الجمل «يهز» مُناصفة بيروت...ورسائل سياسيّة من البقاع «الثنائي» «والقوات» أكبر الرابحين... والمجتمع المدني أول الخاسرين القاهرة القلقة من التطوّرات الإقليميّة تدعم «حكمة» الرئيس عون
-
معركة زحلة حسمت الجمعة... تعليمة جوية وصلت الضاهر: STOP
-
اورتاغوس تصعّد من الدوحة ولبنان يصر على «الحوار» بيروت تستعد لصيف بلا عتمة... وصندوق النقد غير راضٍ
-
إعترافات عميل لبناني لـ "إسرائيل"... هذه قصّة تجنيد محمد صالح
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
09:18
غارة من مسيّرة "إسرائيلية" استهدفت سيارة في بلدة عين بعال - قضاء صور جنوبي لبنان وسقوك شهيد
-
09:06
"معاريف": "إسرائيل" على شفا عزلة غير مسبوقة وتخسر على جميع الجبهات
-
09:04
بوليتيكو: الولايات المتحدة تعارض إدراج بند "دعم أوكرانيا" في بيان اجتماع وزراء مالية مجموعة السبع
-
08:52
"يديعوت أحرونوت": مكانة "إسرائيل" في انهيار والضرر في اقتصادها يمكن أن يصل إلى مليارات الدولارات
-
23:38
وسائل إعلام إسرائيلية: البرلمان الإسباني صوت بأغلبية ساحقة لصالح قانون يحظر بيع السلاح لإسرائيل
-
22:56
رئيس الوزراء العراقي للرئيس عون: نرفض الانتهاكات التي تتعرض لها الأراضي اللبنانية وندعم أمنه وسيادته
