"سنرجع يوماً" عنوان معرض فني دمشقي جاء رداً على ما يزيد على 520 يوماً من حرب الإبادة على غزة. ماذا جاء فيه؟
7 فنانين تشكيليين فلسطينيين اجتمعوا في صالة "مشوار" في دمشق، أمس الإثنين، ليقولوا بأعمالهم: "سنرجع يوماً". المعرض الذي حمل هذا العنوان جاء بمنزلة رد على ما يزيد على 520 يوماً من حرب الإبادة المستمرة على غزة وشعبها، وسعياً للمشاركة الوجدانية بالوقوف معه وتصوير آلامه وعذاباته بأساليب متعددة، تشيع رؤىً وجماليات واسعة في وجه المظالم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
الفنان عدنان حميدة ما زال يُصر على إشعال صمت ذاكرته وإعادة تعميرها برؤيته الخاصة، فالسمكة تُغادر مياهها لتكون حيَّةً بطريقة مغايرة على الطاولة، والأشخاص دخلوا ضمن كادر اللوحة، ضمن اللوحة الرئيسية، وتوضع تحتهم أنابيب الألوان والرِّيَش كدلالة على أن العمل غير مكتمل ويستمر في التَّشكل خلال مشاهدة المتلقين له، وغير ذلك مما يوحي بحميمية الأشياء والأشخاص، بأرواحهم المتألمة، ويُتْمِهِم، ومغادرتهم الإجبارية لأوطانهم، بحيث تصبح الأمكنة مُشتهاة وذات خصوصية عالية، وتميل إلى كونها فضاء جمالياً يزيد من جرعة الألفة مع مكونات أعماله، بعيداً عن كل الوحشة والألم. كأن كل ما يشتغل عليه حميدة هو محاربة الظلم بالجَمال الصافي وقيمه التشكيلية المتنوعة من شفافيات الألوان ونقاء الأفكار وحيوية المزج بين الواقعي بالتعبيري والتجريدي.
أما موفق السيد فيواظب على سرياليته التجريبية بحداثتها الآسرة. يحول انفعالاته وهواجسه الفكرية والبصرية إلى مشاهد غنية بالتفاصيل، لعوالم غرائبية أشبه بمناخات الأحلام بطبقاتها المتعددة، وكثافة الزمن فيها، مع قدرة فائقة على مواربة التجربة اللاواعية بإفراطها النفسي في ما يتعلق بالمقاربات الغرائبية للموجودات. من بيوت تُحلِّق في السماء مع ارتباطاتها بخيوط مع الأرض، إلى أشخاص يرافقون الطيور في عودتها إلى أوطانها، متخلين عن غربتهم، وتوابيت عيشهم الماضي، إلى أشخاص على موائد واهية في انتظارات مريرة، ورمال مديدة مع أشجار ملونة في العُمق. كل تلك الرموز تستأثر بمكانة مميزة في اشتغالات السيد التشكيلية لتكوّن خصوصية واعية بعوالم الحلم الذي يُعتِق من أكبال الواقع.
أما خير الله سليم صاحب الهدوء اللوني المُكثَّف ومعالجاته المتأنية لموضوعات الحنين والانتظار، فيؤكد من جديد على حقيقة الزمن في لوحاته، والتي تستمد ضوءها من استمرارية الأمل في التغلب على الضوضاء والهمجية، وقدرة الأمل على مواجهة الظلام والظلاميات.
هكذا تراه يُجلِس إنساناً على كرسي في مواجهة جدار، لكن ذاك الإنسان صار أميل لأن يكون طيفاً يسند الجدار ويتماهى معه، وفي لوحة أخرى يُؤطِّر وجه رجل بينما يترك امرأته بلا أي قيد، لكنها في الوقت ذاته تحترق بغيابات زوجها، بينما تجلس امرأة في عمل آخر على مقعد وثير، لكن القلق يُشيِّعها نحو عيني المتلقي، لتبقى اللوحة على باب الصالة لأشخاص بهالات قداسة حول رؤوسهم ونصفهم في السماء بينما نصفهم الآخر ما زال متجذراً في الأرض هي الأكثر تعبيراً عن واقع الفلسطينيين ومعاناتهم المستمرة.
ثم الفنان محمد الركوعي الذي يشيّد لوحته وكأنها بناء خصائصه العمرانية والهندسية فلسطينية سورية مشتركة، بحيث إنه يحكي عن الوجود الفلسطيني المُعذَّب، وأحقيته في السلام والعودة إلى بلاده، وبذلك يناهض حصاره وشتاته وعيشه في تراجيديا مستمرة، وذلك باستخدامات لونية خاصة، قد يراها البعض متناقضة لكنها في مجملها منسجمة مع بعضها وتُعبِّر عن قدرة الركوعي على إدارة مكونات لوحته وتلوينها، حتى أنه يدغم العمارة الفلسطينية مع زي المرأة الفلسطينية، التي ترمز في لوحاته إلى الأرض والحياة والحنين، ويسعى باستمرار إلى إضفاء لمحات زخرفية متنوعة، لكنها تخرج من بعدها الجَمالي إلى قوة الدلالة عندما يربطها بموضوعه، ويجعلها مندغمة معه إلى أبعد حد، كتلك البيوت التي انبنت على شعر المرأة الفلسطينية، أو ذاك التكوين الجمالي لعائلة فلسطينية يتوارى فيها الرجل خلف امرأتين تُشكل ملابسهما ما يشبه الجناحين، بينما الطفلة وجهها مختفٍ وهي تنظر إليه.
أما الفنان محمود خليلي فآثر على أن يجعل من لوحاته تجسيداً لمقولة مظفر النواب "بوصلةٌ لا تشير إلى القدس مشبوهة". إذ إنه رغم عواصف السواد التي تلف عمارات البيوت، والتي عرَّت الشَّجر من أوراقه، إلا أنها لم تستطع أن تزيل الألوان الزاهية عن بيت المقدس. كأن كل موجودات اللوحة تقود إلى تلك الحقيقة، بما فيها الأوراق الخضراء التي ما زالت صامدة على أعلى غصن في الشجرة، والأيدي الرافضة لأي مكروه قد يصيب القدس.
الأمر ذاته يتكرر في ثنائية الشجرة والبيوت، باعتبارهما رمزاً للثبات ومواجهة العواصف، والتي جسدها خليلي بتدرجات رمادية قاتمة مع خطوط بيضاء بحيث لم يترك للألوان أي مكانة سوى لمكامن الحياة المتمثلة بأوراق الشجر وما يشير إلى يناعة الحق الفلسطيني.
ثم الفنان معتز العمري الذي يؤسس لمشهديته بتقنية حكائية مختلفة تستمد خصوصيتها من يوميات تنتمي لهموم الشعب الفلسطيني، وبرؤى بصرية تجمعهم في مستويات مختلفة.
ورغم عدم وجود بعد ثالث في لوحاته، إلا أن ذاك البعد يُستمد من أسطرة رؤاه، وانسيالاتها اللونية المميزة، وكأنه يُطرز لوحاته بمجموعة من الخطوط والمساحات والتكوينات الهندسية المتداخلة، ربما تكون متشابهة وفيها بعض الرتابة الشكلية، لكن اشتغاله على متواليات سردية يجعلها أقرب إلى فسحات من الخيال والقَصّ التشكيلي لحكايات الشعب الفلسطينين بجميع أحزانه، تاركاً فسحة من اللون الأبيض ليدخل في مجابهة العتمة المستمرة، وليأتي كنوع من توازن القيم اللونية، إضافة إلى القيم الوجدانية في مدلولات الرمزية والمواءمة بين الخير والشر، لتبقى أعماله أقرب إلى زجاج دمشقي معشق يحكي قصة الألم الفلسطيني ومآلاتها الإنسانية.
أما الفنانة نازك عمار وعلى تنوع معالجاتها النحتية، ودمجها بين المكونات الواقعية والتعبيرية والرمزية. إلا أن سعيها الدائم هو للتركيز على بطولات الإنسان الفلسطيني وارتباطه بأرضه وتشبُّثه بانتمائه الذي لا يحيد عن وطنه. إذ إن شخوصها رغم الأحمال الثقيلة، تبقى شامخة ومتحدية، لدرجة تُشعرك أمام مشهديات مسرحية متتالية تصب في مجملها على أيقونية الصمود الإعجازية للشعب الفلسطيني الذي لم تستطع كل محاولات اقتلاعه من أرضه أن تنجح، بل على العكس فإن تلك الشخوص تُعلن انتصارها المستمر ضد الهمجية التي تُمارس عليها، وذلك بتكوينات حيوية وخامات متنوعة تترك مجالاً للمنحوتات أن تتنفس وكأنها محاولة لإراحة منحوتاتها من أعبائها المديدة.
يُذكر أن المعرض يستمر في صالة "مشوار" حتى 14 أيار الجاري.
يتم قراءة الآن
-
إنتخابات الشمال اليوم : طرابلس مخلوطة الولاءات... ومعارك الإتحادات بين الأحزاب المسيحية العدوان «الإسرائيلي» يُظلّل زيارة أورتاغوس...ومسؤول أميركي باللجنة يُلاحظ تقدّماً الحكومة لتطبيق نموذج ميقاتي للرواتب؟والإتحاد العمّالي يُلوّح بالتصعيد
-
سوريا بين "تركيا الكبرى" و"اسرائيل الكبرى"
-
حزب الله يسوده القلق من أداء الحكومة تجاه صدّ العدوان "الإسرائيلي" جشي لـ "الديار": لجنة الإشراف مُتواطئة... ومُعالجة الدولة خجولة
-
التفاصيل الكاملة لحادثة الطيران الشراعي في جونية
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
00:14
تم تأكيد خبر إصابة الزميلة ندى اندراوس في قناة "أل بي سي" واصابتها في فخذها الايسر سطحية وهي تتماثل للشفاء.
-
23:58
فوز لائحة وحدة حلبا برئاسة عبد الحميد الحلبي بكامل أعضائها.
-
23:58
انتخابات بلدة مجدليا: لائحة المردة والتيار تنال 5 مقاعد مقابل 4 مقاعد للائحة القوات ومعوض.
-
23:58
فوز اللائحة المدعومة من المردة والتيار على لائحة معوض والقوات في بلدة كفرصغاب - زغرتا.
-
23:42
فوز اللائحة المدعومة من التيار الوطني الحر في بلدة رحبة العكارية بكامل أعضائها، وفوز لائحة قرار عبدين في بشري بمواجهة اللائحة المدعومة من القوات اللبنانية.
-
23:42
فوز لائحة مرسيلينو الحرك بكامل أعضائها في مدينة البترون، والجيش يلقي القبض على سارق أحد صناديق الاقتراع في بلدة مشمش العكارية.
