اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


بالأبيض والأسود بدأ البث في ستينات القرن الماضي، مشكلاً حجر الزاوية في تاريخ الإعلام المرئي في لبنان والعالم العربي، إذ يعد من أوائل محطات التلفزة التي أُطلقت في المنطقة، فتلفزيون لبنان الرسمي المعروف بـ "تلفزيون لبنان"، وسيلة إعلامية وطنية، عكس التعدد الثقافي والسياسي والديني في البلاد، وساهم في نقل صورة حقيقية عن المجتمع اللبناني بكل أطيافه.

يذكر أن تلفزيون لبنان تأسس على ثلاث مراحل: كانت الأولى في نهاية الخمسينات وبداية الستينات (عبر شركتين خاصتين بالكامل)، والثانية عام 1978 كشركة مختلطة مساهمة، مناصفة بين القطاعين العام والخاص باسم تلفزيون لبنان (مرحلة الدمج )، والثالثة عام 1996 حيث استحوذت الدولة اسهم القطاع الخاص، وبات تلفزيون لبنان مملوكاً من الدولة اللبنانية بالكامل.

واليوم بعد مرور سنوات على تأسيسه، غاب "تلفزيون لبنان" عن المشهد، مما يستدعي طرح أسئلة كثيرة عن مستقبل هذه المؤسسة. فالأزمات المتتالية على البلاد اكلت الاخضر واليابس وشلت معظم القطاعات التابعة للدولة اللبنانية. فمنذ الحرب المشؤومة عام 1975 بدأت مرحلة فاصلة في حياة تلفزيون لبنان والإعلام الرسمي بصورة عامة، فقد أدت إلى انقسام شديد داخل المؤسسة بين الحازمية وتلة الخياط، ومهّدت لطفرة الإعلام الخاص الذي لا حدود لحرياته، والذي ساد بل طغى على المشهد العام.

يذكر أن "تلفزيون لبنان" حصل عام 1977 على ترخيص لمدة 25 عاماً، ومنح احتكار البث التلفزيوني في لبنان حتى العام 2012، لكن بعد صدور قانون الإعلام المرئي والمسموع الرقم 382/94، وإثر الترخيص لعدد من المحطات اللبنانية الخاصة في أواخر الثمانينات معظمها، إن لم تكن جميعها ذات وصمة سياسية أو طائفية أو حزبية ، فَقَدَ "تلفزيون لبنان" الحق الحصري الممنوح له بالبث لغاية العام 2012، واشترت الدولة حصة القطاع الخاص، وباتت منذ العام 1996 تملك أسهم "تلفزيون لبنان" بالكامل.

بتنا في عالم آخر لا يُشبه لبنان

وعلى رغم تراجع حضوره في المشهد الاعلامي، يبقى تلفزيون لبنان من أبرز معالم الدولة وذاكرة البلد ، وهناك أجيال تشعر بأنها تخسر مقوّمات "عزيزة" في هذا الوطن، فمن "أبو ملحم" و"أبو سليم" و"أخوت شاناي" و"عشرة عبيد زغار" و"الدنيا هيك" وغيرها من المسلسلات، يباغتك الحنين إلى تلك الأيام.

فالعم طوني وهو من سكان بيروت متقاعد، أكد أنه يقضي ساعات نهاره في متابعة تلفزيون لبنان، لأنه يشتاق إلى تلك الحقبة الذهبية من تاريخ البلاد، مضيفا " اليوم مع كثرة المحطات وكثرة البرامج الصاخبة، بتنا في عالم آخر لا يشبه لبنان الكبير الذي نحب بشيء". وحال العم طوني يشبه الكثيرين من أبناء جيله.

 أما جيل اليوم يرى أن التلفزيون لا ضرورة له في ظل "الانترنت"، تقول سالي وهي طالبة جامعية " المحطات الخاصة لا اتابعها، فهل تريد مني أن أتابع شاشة تعود إلى العصور الوسطى"، في إشارة منها إلى تلفزيون لبنان الذي لم يواكب تقنيات البث الحديثة، ولم يقدم برامج مسلية تجذب المشاهدين، مما جعله اليوم مضرب المثل في السخرية والتهكم ، بسبب نمط وشكل وأسلوب البث القديم، والذي لم يتجدد أو يتوافق مع متطلبات العصر، وهذا بطبيعة الحال أدى إلى تراجع نسبة المشاهدة بشكل كبير.

وفي ظل التحديات المتصاعدة التي يشهدها المشهد الإعلامي، من ازدياد تأثير وسائل الإعلام الخاصة، إلى طغيان الإعلام الرقمي، تبرز الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة تفعيل دور التلفزيون الرسمي وتحديث بنيته، ليكون قادرا على مواكبة العصر، مع الحفاظ على وظيفته الأساسية كمرآة تعكس تطلعات اللبنانيين، وتحمي التوازن الوطني في بلد يتسم بالتعددية والتنوع.

يذكر أن تلفزيون لبنان صنع نجوما كبارا، أصبحوا رواداً في العالم المرئي أمثال فيروز وصباح والأخوين رحباني وسميرة توفيق ونجيب حنكش ومنير معاصري ونضال الأشقر وانطوان كرباج ورضا كبريت و سمير شمص وعبد المجيد مجذوب وهند أبي اللمع ومحمود سعيد وغيرهم.

يكافح من أجل البقاء

وعلى الرغم من الأوضاع الحالية والأزمة المالية والإقتصادية التي يمر بها لبنان، لا زال تلفزيون لبنان صامدا يقاوم ظروفه الصعبة، ويكافح من أجل البقاء بالحد الأدنى من المقومات، إذ انعكس الانهيار المالي بشكل مباشر على الموظفين، الذين يتقاضون رواتب متدنية مقارنة مع المؤسسات الأخرى، لكن عملهم " كبير وفعال، رغم محدودية الإمكانيات، وهو محل تقدير وثقة"، هذا ما أكده رئيس الجمهورية جوزاف عون خلال زيارته مبنى تلفزيون لبنان في تلة الخياط الأسبوع الماضي ، لمتابعة التغطية الإعلامية للانتخابات البلدية والاختيارية في محافظة جبل لبنان، مضيفا "أننا إلى جانبكم ومعكم، وتلفزيون لبنان هو تلفزيون الوطن، وأنا موجود هنا اليوم تأكيدا على أهمية هذه المؤسسة الوطنية ودورها المحوري"، وهنا يطرح السؤال نفسه كيف ستعمل الحكومة لتفعيل دور هذه المؤسسة وإحيائها من جديد؟

يذكر أن تلفزيون لبنان توقف عن بث برامجه الاعتيادية عام 2023 بقرار من وزير الاعلام في حكومة تصريف الاعمال زياد المكاري، على خلفية الإضراب الشامل الذي نفذه الموظفون اعتراضا على تردي أوضاعهم ورواتبهم. وكان قد تم تعليق قرار التوقف عن العمل بعد اجتماع عقد في وزارة الإعلام، بحضور المدير العام لوزارة الإعلام ورئيس الاتحاد العمالي العام، بعد وعود بنيل مستحقات الموظفين".

تلفزيون لبنان عانى و يعاني من الضعف والمشاكل المالية، وهو من المؤسسات التي تعبرعن حال الدولة، "سيبقى ويستمر ويزدهر شأنه شأن لبنان"، هذا ما أكد عليه وزير الاعلام المحامي بول مرقص، الذي يسعى إلى تأمين الدعم لضمان استمرار تلفزيون لبنان، كمنبر وطني يعكس هوية البلاد الثقافية والإعلامية، ويعود إلى سابق عهده.

ذاكرة لبنان والعالم العربي المرئية

مصدر في نقابة مستخدمي التلفزيون في لبنان أكد أن "تلفزيون لبنان هو مؤسسة إعلامية وطنية هامة، ومعلم من معالم الدولة وذاكرة الوطن، لذا نأمل من جميع المعنيين الالتفات إلى التلفزيون الوطني وتحصينه، فهو ذاكرة لبنان والعالم العربي المرئية، ويضم خيرة الكفاءات الإعلامية والفنية والتقنية، وتختزن من أرشيفه كل المؤسسات الإعلامية".

وأصدرت نقابة موظفي تلفزيون لبنان في آذار الماضي بيان أكدت فيه إلى أن "عدم وجود مجلس إدارة يدير شؤون التلفزيون ويتخذ القرارات اللازمة أدى إلى تفاقم الأزمات، فيما يواجه الموظفون تحديات كبرى نتيجة التأخير في دفع المستحقات، وانعدام الرؤية الإدارية الواضحة"، داعية إلى "ضرورة تعيين رئيس مجلس ادارة – مدير عام وأعضاء".

يذكر أنه منذ العام 1978، تعاقب على إدارة تلفزيون لبنان كل من شارل رزق، موسى كنعان، ريمون جبارة، جورج سكاف، فؤاد نعيم، جان كلود بولس، إبراهيم الخوري، طلال المقدسي الذي عين بصفة حارس قضائي ، توفيق طرابلسي وفيفيان لبس صفير. وللاسف دخل المنصب في سبات الشغور، بسبب عجز عن إقامة التعيينات بسبب التجاذبات السياسية.

يمر تلفزيون لبنان اليوم في مرحلة مخاض، فهو يحتاج إلى دعم فعلي لضمان استمراره كمنبر وطني يعكس هوية لبنان الثقافية والإعلامية، فالتطوير والتمويل والاستثمار في الكفاءات الإعلامية أمور ضرورية، ليبقى هذا التلفزيون صوتاً لكل اللبنانيين، ويساهم في نقل الصورة الحقيقية للبلاد، ويؤدي دورا توعويا وتثقيفيا يعكس التنوع الثقافي اللبناني، وينقل التراث اللبناني الغني من خلال البرامج الثقافية والفنية، ويساهم في تعزيز الهوية الوطنية، ويلعب دورا أساسيا في تغطية الأخبار المحلية والقرارات الحكومية، مما يجعله مصدرا موثوقا للمعلومات، ومنافسا قويا في المشهد الإعلامي العربي والدولي.

الأرشيف الغني

يذكر أن تلفزيون لبنان الذي خرّج أهم الكوادر الفنية والإعلامية التي أغنت الشاشات اللبنانية والعربية، يمتاز بأرشيف غني بمحتوى درامي وبرامجي، إذ يتضمن الأرشيف أكثر من 50 ألف ساعة من الأشرطة المسجلة بين مسلسلات وبرامج ولقاءات حوارية ونشرات أخبار، وتغطيات الأنشطة والمعارض وزيارات الرؤساء والشخصيات. هذا الأرشيف هو بمثابة كنز وطني فريد وارث انساني، وسعت وزارة الإعلام العام الماضي إلى إدراج أرشيف تلفزيون لبنان، وهو الأقدم في العالم العربي، على لائحة "ذاكرة العالم" التابعة لمنظمة "اليونيسكو"، على أمل أن يصبح المجموعة الثالثة للبنان، بعد الأبجدية الفينيقية ولوحات نهر الكلب الأثرية على قوائم التراث العالمي.

ويسعى برنامج "ذاكرة العالم" الذي أسسته "اليونيسكو" عام 1992، إلى الحؤول دون فقدان التراث الوثائقي، وهو ما تعرّف عنه المنظمة الدولية بمجموعات الوثائق "ذات القيمة الهامة والدائمة، سواء كانت وثائق ورقية أو سمعية بصرية أو رقمية أو بأي صيغة أخرى".

ويمتلك تلفزيون لبنان نسخا إحتياطية عن هذه الموجودات، موزعة في أماكن مختلفة، خوفا من أي أحداث أو ظروف مفاجئة في بلد مثل لبنان، يعيش الحروب والخضات والتوترات بشكل دائم. علما أن جزءا من هذا الأرشيف موضوع في خزنة داخل مصرف لبنان.

كما وقعت وزارة الإعلام عام 2022 اتفاقية تعاون مع فرنسا، لحفظ أرشيف تلفزيون لبنان والإذاعة اللبنانية والدراسات والمنشورات اللبنانية و"الوكالة الوطنية للإعلام" ورقمنته وتقييمه.

الأكثر قراءة

تصعيد «اسرائيلي» يسقط ضمانات واشنطن... وخيبة امل في بعبدا لا تعديل للقانون... هل تحصل الانتخابات في بيروت؟ «هواجس» من مفاجآت ترامب... وقلق في «اسرائيل»