في كل مرحلة من مراحل التاريخ، كانت الشعوب تقاتل لتكون حرّة. لم يكن القتال حبًا بالحرب، بل رفضًا للذل. كانت هناك دائمًا فئة تقاتل، وفئة تنتظر. وفئة ثالثة، أخطر من الأولى والثانية، تروّج للخضوع وتُسمي الاستسلام "سلامًا" و"واقعية". الذين قاتلوا في فلسطين، في الجزائر، في فيتنام، في جنوب أفريقيا، لم يكونوا يبحثون عن الموت. كانوا يبحثون عن كرامة لا تتحقق إلا بحرية. كانوا يعرفون أن الاحتلال لا يذهب بالكلام، وأن الكرامة لا تُشترى بالمساعدات، ولا تُنتزع بالبيانات. في المقابل، هناك دائمًا من يعتاد على الذل. يُقنع نفسه أن الخضوع هو الحل، وأن المقاومة عبث، وأن الحفاظ على "الاستقرار" أهم من مواجهة الظلم.
لكن الحقيقة أن الاستقرار تحت الاحتلال ليس سلامًا، بل قفص ملوّن. والتنمية في ظلّ الذل ليست تقدمًا، بل شكل آخر من التكيّف مع القهر. أسوأ ما يصيب الشعوب أن تنسى أن حريّتها لم تأتِ من فراغ، بل من دماء من سبقوها. وأن رفاهية اليوم ما كانت لتكون لولا من حفروا في الصخر، وجاعوا، وسُجنوا، وماتوا، فقط ليحمل الجيل الذي بعدهم جوازًا محترمًا، أو يعيش في بيت آمن، أو يقول رأيه علنًا. الذين يعيشون الرفاهية اليوم لأن غيرهم حمل البندقية بالأمس، لا يملكون الحق في مهاجمة المقاومة. ولا يحقّ لهم أن يصفوا المقاومين بأنهم "يحبون الحرب"، لأنهم لو لم يحاربوا، لما بقيت أرض، ولا وطن، ولا علم مرفوع.
في لبنان، يتكرر المشهد بوضوح. العدو الإسرائيلي لا يعتدي اليوم على لبنان لأنه يردّ على سلاح المقاومة، بل لأنه يريد لبنان... كل لبنان. أطماعه في مياهنا، في ثرواتنا، في قرارنا، لم تتوقف يومًا، وما يردعه ليس البيانات ولا النوايا الطيبة، بل وجود مقاومة تملك الإرادة والسلاح. العدو لا يفهم لغة المجاملة، بل لغة القوة. والمقاومة في لبنان لم تكن يومًا مشروع فوضى، بل مشروع حماية، لردع العدو ومنعه من التقدم ولو شبراً واحداً.
وإذا كانت المقاومة اليوم تصبر وتعض على الجراح، فلأنها تعرف معنى التوقيت وتُدير المواجهة بالعقل قبل الزناد. لكن التعافي لا يعني الضعف، والصبر لا يعني القبول. والويل كل الويل لمن ظن أن زمن المقاومة انتهى، أو أنها صارت "ماضٍ لا مستقبل له". التاريخ لا يذكر المتخاذلين، ولا يحتفل بمن ارتضى الذل على حساب الكرامة. سيسجل التاريخ أسماءهم في خانة العار، لا في خانة الحكماء. الحرية ليست فكرة رومانسية. هي حاجة أساسية، مثل الطعام والهواء. والشعوب التي تفرّط بها، تدفع الثمن لاحقًا، ولو بعد حين.
يتم قراءة الآن
-
إنذار سعودي أخير وخطير للبنان
-
المخاطر تتزاحم: «إسرائيل»... أمن المخيمات... والخطر السوري؟ واشنطن تصرّ على تهميش باريس... ولا تفعيل للجنة وقف النار تفاهم «ثلاثي» على تعيينات قضائية ومالية في الحكومة اليوم
-
لبنان بين الوصاية السوريّة والوصاية "الإسرائيليّة"
-
هل سيستقبل لبنان الشيباني بعد تهديدات الشرع؟ موسم الاصطياف ينعش لبنان رغم شائعات الحرب قانون الانتخابات محور الصراعات الكبرى والجنوب محاصر بالمسيّرات
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
12:10
مواقع إخبارية إسرائيلية: حدث أمني صعب في خان يونس جنوب قطاع غزة
-
12:09
المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: سجلنا خلال 3 أيام عشرات حالات الوفاة نتيجة نقص الغذاء والمكملات الدوائية الأساسية
-
12:06
رتفاع حصيلة المجزرة التي ارتكبها الاحتلال بحق منتظري المساعدات في رفح جنوبي القطاع إلى 30 شهيداً و170 إصابة
-
11:58
وكالة "سانا": رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع يتوجه الى أذربيجان في زيارة رسمية
-
11:48
المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: حالياً يعيش نحو مليون وربع المليون شخص في القطاع حالة جوع كارثي
-
11:48
المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: يعاني 96% من سكان القطاع من مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي بينهم ما يزيد على مليون طفل
