"نسمة صنين" بداية لاكتشاف علمي يُمكن أن يُغيّر حياة الناس؟!

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

في قلب جبل صنين وتحديداً في بلدة بسكنتا، تمّ اكتشاف نبتة نادرة أُطلق عليها اسم "نسمة صنين"، قد تحمل في طيّاتها أسراراً طبيّة وبيئية واعدة. هذه النبتة الصغيرة التي تنمو بصمتٍ بين الصخور، أثارت انتباه رامي معلوف الباحث اللبناني الإسباني المستقل، وعالم الطبيعة الميداني والمصوّر وعازف الفلوت المحترف، ومخترع الموقع الإلكتروني Flora Fauna الذي يوثّق فيه رحلاته الشخصيّة عبر العالم الطبيعي، إضافة إلى مشاركته التنوّع البيولوجي المذهل الذي يصادفه.

اكتشف معلوف أنّ التحاليل الأوليّة أظهرت احتمال احتواء هذه النبتة على مركّبات تساهم في كبح نموّ الخلايا السرطانية، مشيراً إلى أنّه و بالتعاون مع الدكتور رضا بنزر من جامعة مرسين التركية، تمّ اكتشاف نوع نباتي جديد من فصيلة onosma، لا ينمو إلا في نقطة واحدة محدودة على سفوح جبل صنّين، تزامناً مع اليوم الدولي للتنوّع البيولوجي، وقد أُطلق على هذا النوع الإسم العلم "onosma sanninensis"، بينما اختار له مكتشفه اسماً عربياً شاعرياً هو "نسمة صنّين".

لفت الباحث اللبناني إلى أنّ "الزهرة الجديدة" التي تمّ توثيقها ونشر تفاصيلها في مجلة phytotaxa العلميّة المتخصّصة، لا تعيش سوى في منطقة لا تتعدّى 0.16 كيلومتراً مربّعاً قرب بلدة بسكنتا، وعلى ارتفاع يتراوح بين 1750و 2100 متر. ويقدّر عدد أفرادها بأقلمة 250 نبتة، ممّا يجعلها، بحسب الدراسة، مهدّدة بالإنقراض بشكل حرِج.

واوضح أنّ "هذا النوع دقيق التوطن، أي أنه لا يوجد في أيّ مكان آخر على وجه الأرض. نحن لا نتحدّث عن زهرة نادرة فحسب، بل عن كائنٍ حيّ لا يملك وطناً سوى هذا المنحدر الصخري".

وعما إذا كان اكتشاف هذه النبتة مصادفة أم نتيجة بحث ميداني منظّم، قال معلوف: "تمّ اكتشاف هذه النبتة عام 2019 خلال عملي على إحصاء ميداني للنباتات في جبل صنّين، والذي بدأته عام 2018 وما زلت مستمراً فيه حتّى الآن. فالعمل المنهجي المنظّم يمكن أن يقود إلى اكتشافات نادرة، حتّى في بلدٍ صغير مثل لبنان".

* أين وُجدت بالتحديد في بسكنتا أو جبل صنين، وهل سُمّيت بـ "نسمة صنين" تيمّناً به؟

- تم العثور عليها في السفح الغربي لجبل صنين، ضمن نطاق بلدية بسكنتا، في موقع واحد فقط على هذا السفح. والجدير بالذكر أنّ صنين يحمل أسماء ثلاث نباتات أخرى نادرة ومهددة بالانقراض "Tripleurospermum sannineum"، و"Trifolium sannineum"، و"Allium sannineum" . والآن انضمت "Onosma sanninensis" إلى هذه القائمة كنبتة تحمل اسم الجبل. أما سبب إختيار كلمات "نسمة" فهو لشبهها مع الإسم العلمي Onosma .

* هل كانت معروفة محلياً تحت اسم آخر أو من خلال الاستخدام الشعبي؟

- لم تكن معروفة من قبل، ولم يكن لها اي استخدامات شعبية او اسم آخر ، نظرا لكونها غير مكتشفة سابقاً، لكنها تشبه إلى حد كبير نبتة Onosma frutescens""، ورغم التشابه، هناك فروق دقيقة صنّفتها كنوع مختلف.

* هل واجهت صعوبة بوصف "النبتة" أو بتحديد مواصفاتها المميّزة؟

- الصعوبة كانت تكمن في إيجاد السّر الذي يسكن بالشعيرات داخل أوراق النبتة، حيث تخرج منها على شكل نجمة، ترسم عدّة شعيرات صغيرة من نقطة واحدة، لتعود وتخرج الشعرة الكبيرة. وعندما اكتشفنا هذا التسلسل، علمنا تلقائياً في أيّ خانة نصنّفها. كما واجهنا في البداية صعوبة في إيجاد خبير، من هنا أتى التعاون مع الدكتور التركي بنزت، نظراً لأهمية اختصاصه بهذا النوع من النباتات، والذي سخّر جهوده للعمل على التركيبة الكيميائية، فكان له دور كبير جد وفعّال في اكتشاف مزايا هذه النبتة.

* ما الخصائص البيولوجية أو الشكلية التي تميّز "نسمة صنين" عن النباتات المحلية الأخرى؟

- تتميز بثلاثة ألوان تعكس مراحل حياتها: الأصفر، ثم البرتقالي، وأخيراً الأزرق الداكن عند ذبول الزهرة.

* هل تنتمي هذه النبتة إلى فصيلة نباتية معروفة؟ وهل توجد أنواع مشابهة منها في لبنان أو خارجه؟ ما هو موسم نموّها؟ وهل تُعتبر نبتة موسمية أم معمّرة؟

- تنتمي إلى جنس "Onosma" الذي يضم عشرة أنواع معروفة في لبنان، وتُعد هذه النبتة النوع الحادي عشر. تضم تركيا أكثر من ١٠٩ انواع من هذا الجنس، بينما تحتضن إيران نحو ٦٥ نوعاً. وهي نبتة معمّرة تحتاج لأكثر من سنة لتزهر.

* هل لهذه النبتة مساهمة في الحفاظ على التوازن البيئي، أو منع تآكل التربة في منطقة صنين؟

- لا تتوافر معلومات كافية بعد حول دورها البيئي، إذ يتطلب الأمرسنوات من الدراسة لفهم أثرها الكامل على التوازن البيئي.

* هل ظهرت لها استخدامات طبيّة أو عطريّة في الدراسات الأوليّة؟

- لم تُجرَ دراسات على هذه النبتة تحديداً بعد، لكن دراسات على أنواعٍ أخرى من نفس الجنس في تركيا، أظهرت وجود مركبات كيميائية ذات خصائص مضادة للسرطان.

* ما أبرز التهديدات التي قد تتعرّض لها النبتة من عوامل مناخية أو بشريّة؟

- من الصعب تحديد التهديدات المناخية حالياً، لأن ذلك يتطلب مراقبة طويلة الأمد. أما التهديدات البشرية فتشمل الرعي المكثف والتشجير.

* كيف تمّ التوصّل إلى الاستنتاج بأنّ هذه النبتة تحتوي على مركبات كيميائية ، يُعتقد بأنّها كابحة لنمو الخلايا السرطانية؟ وهل يمكنك توضيح طبيعة هذه المركبات؟ وهل هناك دراسات مخبرية تدعم هذا الاحتمال حتى الآن؟

- الاستنتاج مبني على دراسات أُجريت على أنواع أخرى من نفس الجنس، خصوصاً في تركيا، والتي أثبتت احتواءها على مركبات مضادة للسرطان. ولكن لم تُجرَ حتى الآن دراسات مخبرية على "نسمة صنين" تحديداً.

* وفي حال ثبُت فعالية هذه المركبات، هل هناك من نيّة للتعاون مع مراكز أبحاث أو شركات دوائية لتطوير علاج مستند إلى هذه النبتة؟

- دراسة التركيبات الكيميائية ليست من اختصاصي، لكن في حال أثبتت الدراسات فعاليتها، فمن الممكن أن يهتم المتخصصون بتطويرها دوائياً.

* ما مدى إمكانية تحويل هذا الاكتشاف إلى دواء فعّال في المستقبل؟

- تحويل أي اكتشاف علمي إلى دواء فعّال، يتطلب سنوات من الدراسة والتجارب السريرية. من المبكر اليوم إصدار أي حكم في هذا الشأن.

* كيف أُستقبِل الاكتشاف محلياً؟ وهل لمست اهتمام أبناء بسكنتا بأهميتها ووجوب حمايتها؟

- كان التفاعل محلياً إيجابياً جداً. بلدية بسكنتا تواصلت معي لمعرفة المزيد، وهناك بعض الاهتمام بالتعاون لحماية الجبل والنبتة.

* هل هناك مشاريع أو برامج لحمايتها أو زراعتها على نطاق واسع؟

- لا توجد حتى الآن مشاريع محددة، لكن هناك تفكير في كيفية حماية السفح الغربي لصنين، وقد ننتقل لاحقاً إلى برامج حماية أو زراعة.

* ما هي توصياتك لحماية النباتات النادرة والمهددة في لبنان؟

- تتركز النسبة الأكبر من النباتات المتوطنة والمهددة بالانقراض في الجبال اللبنانية، وبالتالي فإن إقرار قانون لحماية هذه الجبال، يشكّل خطوة أساسية نحو حماية الجزء الأكبر من التنوع النباتي والحيواني في لبنان.

فهل تكون "نسمة صنّين" مجرّد نبتة نادرة في الطبيعة اللبنانيّة؟ أم بداية لاكتشاف علمي يمكن أن يغيّر حياة الناس؟!