اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

في لحظة تأمل على شرفة العمر، بينما تغرب شمس يوم هادئ، سمعت صوتا خافتا ينبعث من داخلي... صوت أعرفه جيدا، نقي، تقي، بريء، ومليء بالحياة. إنه أنا...نعم أنا، لكن كما كنت منذ أربعين عاما ونيف، طفل في العاشرة من عمره.

جلست على المقعد، أغمضت عيني، وفجأة، وجدتني أمام ذلك الطفل الصغير، بعينين لامعتين، يحمل في يده كرة بالية ويضع على رأسه قبعة زرقاء. ابتسم لي وقال:

أنت أنا؟! مستحيل... أنت تبدو متعبا! ماذا حدث لنا؟ هل كبرت كما تمنيت؟ هل أصبحت ذلك البطل الذي كنت أرسمه في خيالي؟

كبرنا يا صغيري... كبرنا كثيرا. لكن البطل الذي حلمت به لم يكن كما تظنه. أحيانا كنا أبطالا صامتين، وأحيانا فقط ناجين.

لكنني كنت أحلم بالسفر، وبأن أكون شجاعا لا أخاف شيئا!... هل فعلنا كل هذا؟

سافرنا، لكننا تعبنا من الحقائب. كنا شجعانا، لكن الخوف كان رفيقنا أحيانا، مر علينا الكثير من الصعاب ولكن بنعمة الرب تخطينا كل العقبات وكانت السماء قريبة جدا منا،فالحياة ليست كما ظننت، لكنها علمتني الكثير.علمتني الحياة أنه مهما كبرت واخذتني همومها،لااهملك لأنك تكمن في داخلي ولاادعك تذبل ولا أحلامك تتبخر واكثر من ذلك لا ادع قلبك الطيب يتلوث بالكره والطمع والكذب.تركت قلبك كما هو يفرح بأبسط الألعاب ويلهو في ساحات الطفولة ويتسكع في زواريبها البريئة ويتمتع بالعابها البدائية.

لكن أين ألعابنا؟ وأصدقاؤنا؟ وهل ما زلت تتذكر رائحة أمي حين كانت توقظنا صباحا؟

أتذكر كل شيء، يا صغيري... كل شيء. لكن الزمن يأخذ منا أحبابنا، ويترك فينا الذكرى. أمي رحلت، لكن رائحتها ما زالت في الذاكرة، ودفء يدها ما زال يرافقني حين أضع يدي على قلبي.

هل كنا طيبين؟ هل ظلمنا أحدا؟

حاولنا أن نكون طيبين قدر ما استطعنا. أخطأنا أحيانا، واعتذرنا كثيرا. سامحنا البعض، وغادرنا البعض الآخر. لكننا لم نفقد إنسانيتنا.

هل نسيتني؟

أبدا... أنت أكثر من أتذكره حين أتعب. أنت النقاء في داخلي، وأنت الحلم الذي يحرسني في ليالي العمر الثقيلة. أنت سبب ابتسامتي حين يتألم قلبي، وسبب دموعي حين أشتاق لنفسي القديمة.

إذا، لا بأس... طالما لم تنس، فأنا بخير.

ثم اختفى الطفل فجأة، كما جاء، وظل صوته يتردد في داخلي: لا تنساني... ولا تنس أن تضحك من قلبك، كما كنت تفعل دائما.

الحوار بين الماضي والحاضر ليس خيالا فقط، بل هو ضرورة. نحتاج أحيانا أن نرجع إلى أنفسنا الصغيرة، أن نسألها، ونعتذر منها، ونحضنها، ونعدها أننا لن نخذلها مهما أثقلتنا السنون. فبداخل كل واحد منا طفل لم يكبر بعد، ينتظر منا أن نكون كما حلم.

حوار بيني وأنا أخذني في رحلة عبر الزمن طابعها تأملي وعاطفي تملأوها الذكريات الجميلة تعكس صراع العمر والحنين مقابل الحكمة المكتسبة على مر السنين.


الأكثر قراءة

معالم الردّ على ورقة برّاك تتبلور... وحزب الله سلّم موقفه إجهاض مُحاصرة «الثنائي» انتخابياً... والمواجهة مفتوحة الأمن العام فكّك خليّة لتنظيم «داعش» تتعاون مع «الموساد»؟!