مما لا شكك فيه انه في عالم يتغيّر بوتيرة غير مسبوقة بفعل التحوّلات الرقمية والذكاء الاصطناعي، لم يعد نيل الشهادات كافيا، بل اضحى امتلاك المهارات المطلوبة في الوقت المواتي هو مفتاح النجاح الحقيقي. من هنا تبرز أهمية اليوم العالمي لمهارات الشباب، الذي يُصادف الخامس عشر من تموز كل عام، بوصفه محطة سنوية لتسليط الضوء على ضرورة تزويد الشباب بالخبرات التي تؤهّلهم للاندماج الفعّال في سوق العمل الحديث.
ففي ظل تزايد الفجوة بين مخرجات التعليم التقليدي ومتطلبات سوق العمل العالمي، تبرز الحاجة إلى الاستثمار في القدرات الرقمية، والريادة، والابتكار، والمرونة المعرفية كأولويات قصوى. اذ يواجه الشباب اليوم صعوبات معقدة، لكنهم في الوقت نفسه يمتلكون فرصا هائلة إذا تم تمكينهم بشكل صحيح. إن هذا اليوم ليس مجرد مناسبة رمزية، بل دعوة فعلية لصنّاع القرار والمؤسسات التعليمية لتوجيه البوصلة نحو بناء جيل قادر على مواكبة التحول الرقمي، والمنافسة، والتأثير.
ولا مناص من القول انه في عصر أصبحت فيه الكفاءات التقنية والتكنولوجية معيارا للتوظيف والاستدامة، فإن تأهيل الشباب وتطويرهم لم يعد خيارا، بل ضرورة إنمائية واقتصادية وأمنية في آن.
الارتقاء بالمجتمع والاقتصاد
بالاستناد الى ما تقدم، يشكل تدريب الشباب محورا أساسيا في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، خاصة في المجتمعات التي تواجه تحديات مثل البطالة، فجوة المهارات والنمو السكاني المتسارع. فالتدريب الفني لا يوفّر فقط قدرات تقنية تساعد الشباب على دخول سوق العمل، بل يساهم أيضا في تعزيز قيم الإنتاجية والابتكار والاعتماد على الذات.
وفي هذا الإطار، يقول أحد الاختصاصيين في التعليم المهني والتقني وتنمية المهارات "إن تدريب الشباب لم يعد مسألة تطوير فردي فحسب، بل أصبح قضية إنمائية تُسهم في رفع معدلات النمو الاقتصادي، تقليص نسب الفقر وتحقيق استقرار اجتماعي على المدى الطويل. ومن خلال بناء دورات تأسيسية تواكب التحول الرقمي والتكنولوجي، يمكن تحويل الشباب من فئة مستهلكة إلى فاعلين اقتصاديين ومنتجين في مجتمعاتهم. من هنا، يفاقم إهمال هذا الجانب أزمات البطالة المزمنة ويُعمّق التفاوتات الاجتماعية، في حين أن الاستثمار في تحضير الشباب يعني الاستثمار في رأس المال البشري، وهو أحد أهم عناصر بناء اقتصاد مرن ومجتمع مستدام".
معالجة أزمة البطالة ونقص فرص العمل ممكن؟
ويؤكد لـ "الديار" انه "في ظل الارتفاع المتزايد في معدلات البطالة بين فئة الشباب في لبنان، خاصة لذوي الدخل المتوسط والمنخفض، يُعدّ تطوير المهارات أحد أكثر الأدوات فعالية لمواجهة هذا التحدي البنيوي. فغياب المهارات المطلوبة في سوق العمل هو أحد الأسباب الجوهرية لعدم توظيف آلاف الشباب سنويا، رغم وجود فرص عمل متاحة في مجالات تتطلب مؤهلات محددة".
ويشدد على أن "تمكين الشباب لا يكون فقط عبر إتاحة فرص عمل، بل من خلال تجهيزهم مسبقا بمهارات عملية وحديثة تلبي حاجات السوق المتغيرة، مثل المهارات الرقمية، اللغات، التفكير النقدي والتعلّم المستمر. ويركّز أيضا على أهمية الدمج بين التعليم الأكاديمي والتدريب المهني لضمان مخرجات تعليمية قابلة للتوظيف الفعلي".
في المقابل، يبين أن "الاقتصار على التعليم التقليدي دون دمجه بمسارات تمهيدية مهنية أو رقمية يُنتج أجيالًا من الخريجين غير القادرين على تلبية متطلبات الاقتصاد الرقمي، مما يُفاقم ظاهرة البطالة المقنّعة. لذا، إن بناء منظومة مهارية شاملة يُساهم في فتح أبواب العمل الحر، والريادة، والعمل عن بعد، مما يقلل الضغط عن القطاع العام ويوسّع نطاق الفرص المتاحة للشباب في الداخل والخارج".
العدالة في الوصول إلى المهارات والتدريب: ضرورة لا ترف
في سياق متصل، يوضح أحد الأكاديميين المتخصصين في مجال علوم تكنولوجيا المعلومات (IT Computer) في معهد الدكوانة المهني: "انه في خضم الحديث عن تطوير مهارات الشباب وتمكينهم، لا يمكن إغفال التحدي الجوهري المرتبط بإمكان الوصول العادل إلى فرص التعليم والتدريب، خصوصا في ظل الأزمات الاقتصادية التي ترهق الطلاب وأسرهم. ففي لبنان، كما في دول كثيرة، باتت كلفة التعليم الجامعي مرتفعة إلى حدّ أن عددا كبيرا من الطلاب باتوا مضطرين الى تقليص عدد الأرصدة المسجّلة، أو الدمج بين العمل والدراسة لتأمين الأقساط بالدولار الأميركي. هذا الواقع لا يؤثر فقط في المسار الأكاديمي، بل يُعيق أيضا فرص هؤلاء الشباب في متابعة تدريب مهني أو تقني يُساعدهم على بناء امكانات عملية موازية لدراستهم".
ويرى أن "أحد التحديات الأخطر اليوم لا يكمن فقط في نقص المهارات الناعمة، بل في غياب العدالة في اكتسابها. فالشباب الذين لا يملكون الموارد المالية الكافية يُحرمون غالبا من الانخراط في برامج تدريب نوعية، أو الوصول إلى أدوات التعلم الرقمي، أو حتى المشاركة في ورشات عمل مجانية، بسبب ضعف البنية التحتية أو عدم وجود دعم مؤسسي كافٍ. وعليه، فإن الحديث عن القدرات لا يكتمل ما لم يُقترن بطرح واضح حول كيفية ضمان وصول جميع فئات الشباب إلى فرص متكافئة للتدريب والتعلم، بعيدا عن الفروقات الطبقية أو الجغرافية. فبدون ذلك، سنكون أمام فجوة مهارية خطرة تعمّق التفاوت الاجتماعي وتُقوض قدرة هذه الشريحة على النهوض الفردي والجماعي".
المرونة الرقمية والذكاء الاصطناعي: من الترف إلى الضرورة
من جهته، يقول الخبير في المجال الرقمي جورج سمعان لـ "الديار" انه "في عالم يُعاد تشكيله كل يوم بفعل التحوّلات الرقمية والذكاء الاصطناعي، لم تعد المهارات التقنية خيارا إضافيا، بل أصبحت شرطًا أساسيا للانخراط في سوق العمل، أكان ذلك في الوظائف التقليدية أو المهن الجديدة التي ولّدها العصر الرقمي. القدرة على استخدام الأدوات الرقمية، تحليل البيانات، البرمجة، إدارة المحتوى، والعمل عن بُعد باتت تُصنّف ضمن "المهارات القاعدية" التي لا يمكن لأي شاب/ة الاستغناء عنها".
ويشدّد على أن "الذكاء الاصطناعي غيّر معايير الإنتاج والعمل، بل حتى طريقة التفكير والتعليم. وهو ما يفرض تحوّلًا في المناهج والبرامج التدريبية نحو دمج مهارات مثل: التفكير الخوارزمي، التعلم الآلي، الأمن السيبراني، والإبداع التكنولوجي. فالشباب الذين يتقنون هذه المهارات، حتى على مستوى أساسي، يمتلكون ميزة تنافسية حقيقية في سوق العمل. لكن العائق الأكبر لا يكمن فقط في طبيعة الطاقات، بل في إمكان الوصول إليها، خاصة في البيئات التي تعاني من ضعف البنية التحتية الرقمية، أو من نقص في الكادر التعليمي المتخصص. لذلك، فإن الاستثمار في المهارات الرقمية لا يجب أن يكون محصورا في المبادرات الفردية أو البرامج الخاصة، بل ينبغي أن يُدرج ضمن السياسات التعليمية الوطنية، وبرامج الدعم الاجتماعي، وخطط التمكين المهني".
ويختم: "يُصبح الدمج بين المهارات الرقمية والتدريب المهني التقليدي أحد مفاتيح الحل الأساسية، لأن العالم القادم هو عالم المهارات الهجينة: من يعرف كيف يستخدم يديه، ويحلل بعقله، ويتفاعل من خلال الشاشة. في ظل البطالة، وضعف الوصول إلى التعليم، وتسارع التحول الرقمي، تُصبح ريادة الأعمال والفرص البديلة، مثل العمل الحر والمنصات الرقمية، خيارا واقعيا أمام الشباب. لكن هذا يتطلب تمكينهم بالمهارات المناسبة، وبيئة داعمة، وسياسات تحفّز الابتكار لا تُعيقه".
يتم قراءة الآن
-
إنذار سعودي أخير وخطير للبنان
-
المخاطر تتزاحم: «إسرائيل»... أمن المخيمات... والخطر السوري؟ واشنطن تصرّ على تهميش باريس... ولا تفعيل للجنة وقف النار تفاهم «ثلاثي» على تعيينات قضائية ومالية في الحكومة اليوم
-
لبنان بين الوصاية السوريّة والوصاية "الإسرائيليّة"
-
هل سيستقبل لبنان الشيباني بعد تهديدات الشرع؟ موسم الاصطياف ينعش لبنان رغم شائعات الحرب قانون الانتخابات محور الصراعات الكبرى والجنوب محاصر بالمسيّرات
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
11:48
المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: حالياً يعيش نحو مليون وربع المليون شخص في القطاع حالة جوع كارثي
-
11:48
المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: يعاني 96% من سكان القطاع من مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي بينهم ما يزيد على مليون طفل
-
11:45
مكتب الإعلام الحكومي بغزة: خطر المجاعة يتفاقم والموت يهدد مئات الآلاف بينهم 650 ألف طفل وسط صمت دولي مخز.
-
11:45
مكتب الإعلام الحكومي بغزة: مليون وربع يعيشون جوعا كارثيا ويعاني 96% من السكان مستوى حادا من انعدام الأمن الغذائي.
-
11:41
الجيش الإسرائيلي: هاجمنا 250 هدفا في غزة خلال 48 ساعة
-
11:37
الرئيس السوري أحمد الشرع يتوجه إلى جمهورية أذربيجان في زيارةٍ رسمية
