اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


في عالم يزداد فيه اعتمادنا على الذكاء الاصطناعي، لم يعد التطور التكنولوجي امتيازا محصورا بالأصحاء، بل تحول إلى أداة تمكين حقيقية لذوي الإعاقة. تقنيات مثل التحكم بالعين، ودعم لغة برايل الرقمي، والاستشعار الحسي، لا تعيد فقط وظائف مفقودة، بل تفتح بابا للمشاركة الكاملة دون وسطاء. وفي بيئات تفتقر الى البنية التحتية المناسبة كلبنان، يشكّل الذكاء الاصطناعي فرصة عملية لتجاوز الإقصاء، وتحقيق شمول رقمي حقيقي، تُصمَّم فيه الأدوات لتتكيف مع الإنسان، لا أن يُجبر الإنسان على التأقلم معها.

حين تتحوّل العين الى "فأرة":

ثورة "التحكم بالنظر"

على صعيد تقني، يوضح أحد المتخصصين في تقنية المعلومات وخبير في المجال الرقمي لـ "الديار"، انه "خلف شاشات حديثة مدعومة بخوارزميات دقيقة، أصبح بإمكان الأفراد الذين يعانون من الشلل أو الإعاقة الحركية، استخدام أعينهم كوسيلة للتحكم بالأجهزة. التكنولوجيا هنا لا تقتصر على تتبع حركة البؤبؤ فقط، بل تُترجمها إلى "نية"، ثم إلى "أمر"، ثم إلى تفاعل مباشر".

ولفت الى "ان إحدى الشركات الرائدة طورت أنظمة يمكن أن تتيح لمريض "تصلب عضلي ضموري"، ليس فقط أن يكتب ويقرأ، بل ويتحدث عبر عينيه. في المقابل، لم تُسجَّل أي خطوة في لبنان حتى اللحظة تُظهر اهتماما رسميا بهذه التقنية، أو محاولة لتوفيرها عبر المؤسسات المعنية".

عندما يتدرّج الذكاء الاصطناعي

الايقاعي الى احساس

ويضيف "في مختبرات أوروبية وأميركية، تطور الذكاء الاصطناعي ليبتكر وسائط جديدة لتجربة الموسيقى للصم. أساور ذكية تُحوّل النوتات الموسيقية إلى اهتزازات مختلفة على أجزاء متعددة من الجسد. هذه ليست فقط وسيلة للترفيه، بل مدخل لفهم الإيقاع والتفاعل الاجتماعي والإدراك الثقافي".

ويسأل أين هذا من واقعنا؟ يجيب "لم تُسجل في المدارس ولا في المسارح، ولا حتى في مراكز التأهيل، أي محاولة لتوفير هذه الأجهزة أو حتى التفكير فيها محليّا".

هل التكنولوجيا تعيد المكفوفين الى النص؟

ويكشف الخبير انه "لا يُعتبر تطوير لوحات رقمية بلغة برايل مجرد تحسين للقراءة، بل تحوّل في فرص التعليم والعمل. تخيلوا طالبا أعمى يستطيع تصفّح الإنترنت، قراءة المناهج، والتواصل مع زملائه دون وسيط بشري. اذ يلعب الذكاء الاصطناعي هنا دور الوسيط الذكي بين النصوص الرقمية والحس اللمسي. ورغم وجود هذه التقنيات في الأسواق العالمية، فإن نُسختها العربية شبه غائبة، وحتى عند توافرها، تكون أسعارها خيالية بالنسبة لغالبية المستخدمين في لبنان والمنطقة".

وفي هذا الإطار، يقول مبرمج كفيف لـ "الديار": "تعلمت البرمجة رغم فقداني للبصر، لكن أكبر عائق أمامي هو المحتوى العربي. الذكاء الاصطناعي لا يعجز، اللغة هي التي تُقصينا".

غياب الدولة ام اضمحلال الإرادة؟

ويضيف الخبير انه "خلال عملنا على هذا الموضوع، لم نتمكن من العثور على أي سياسة وطنية لبنانية تُعنى بدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي لدعم ذوي الإعاقة. كما لا يوجد بند مخصص ضمن سياسات وزارة الاتصالات أو التعليم أو الشؤون الاجتماعية، او وزارة تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي حتى يتحدث عن دمج أدوات(AI) المساعدة.

من المستفيد حقاً؟

في سياق متصل، يقول باحث في احدى الجامعات اللبنانية الخاصة طلب عدم ذكر اسمه: "نملك العقول والخوارزميات، لكن لا نملك الرؤية، كما ان الذكاء الاصطناعي هنا يُستخدم للتسويق، لا للعدالة الاجتماعية".

ويؤكد لـ "الديار" انه "رغم كل الوعود، يطرح الذكاء الاصطناعي تحديات أخلاقية لا يمكن تجاهلها، خصوصا عند تعامله مع فئات هشّة. من يتحكم بالبيانات؟ هل تُراعى الخصوصية؟ وهل تُبنى هذه الأنظمة بالاعتماد على حاجات المستخدم الفعلي؟ أم مجرد تصورات تقنية سطحية عنه؟ لذا، هناك خطر حقيقي من أن تتحوّل هذه التقنيات إلى سوق نخبوي، لا يخدم إلا من يستطيع شراءها. عندها، تكون قد صنعت فئة جديدة من "المدمجين رقميا"، وتركت الآخرين في الهامش مجددا".

ويشير الى ان "ما يُنجزه الذكاء الاصطناعي اليوم مع ذوي الإعاقة ليس نهاية القصة، بل بدايتها. القصة تُكتب كل يوم، كلما قررت جهة ما أن تدمج هذه الفئة، أن تستثمر في إنسانيتها، وأن تؤمن بأن كل فرد، بصرف النظر عن قدراته الحسية أو الجسدية، له مكان، وله صوت، وله قدرة على التفاعل والمساهمة".

ويبقى السؤال مفتوحا: هل نحن مستعدون لبناء مجتمع "ذكي" حقا؟ أم نكتفي بالإعجاب بما يصنعه الآخرون؟

ويعدد الباحث، قائمة موثوق بها ومحدّثة لأهم الأدوات والتقنيات الحقيقية، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة، وهي مقسّمة بحسب نوع الإعاقة وتتمثل بالآتي:

- أولا: تقنيات لذوي الإعاقة الحركية

1- Tobii Dynavox (Eye Tracking Technology) جهاز يُمكّن المستخدم من التحكم في الحاسوب، والتواصل فقط من خلال حركة العين، ويُستخدم في حالات الشلل الكامل أو التصلب العضلي الضموري (ALS). ويعتمد على الذكاء الاصطناعي لفهم النوايا والسياق لتسريع الاستجابة.

2- QuadStick: وحدة تحكم مخصصة لذوي الشلل الرباعي، تتيح التحكم في الألعاب أو الأجهزة عبر التنفس أو حركات الفم.

- ثانيا: تقنيات لذوي الإعاقة السمعية (الصم والبكم)

3- SignAll نظام يستخدم الكاميرات والذكاء الاصطناعي، لتحويل لغة الإشارة الأميركية (ASL) إلى نص مكتوب أو صوتي. مفيد في الترجمة الفورية للصم والبكم في التفاعل مع غير الناطقين بالإشارة.

4- Neosensory Buzz سوار ذكي يترجم الأصوات المحيطة (كالموسيقى، التنبيهات، الحديث) إلى اهتزازات حسّية تُستشعر على الجلد. يُمكّن الأشخاص الصم من "الإحساس" بالصوت بشكل غير مباشر.

- ثالثا: تقنيات لذوي الإعاقة البصرية (المكفوفين)

5- OrCam MyEye جهاز صغير يُثبّت على النظارات، يستخدم الكاميرا والذكاء الاصطناعي لقراءة النصوص بصوت عالٍ، وتحديد الوجوه، وألوان المنتجات. ولا يحتاج إلى اتصال بالإنترنت، ويُستخدم بكثافة في المدارس والمكاتب.

6- Dot Watch & Dot Pad ساعة رقمية ولوح إلكتروني بلغة برايل، مدعومان بتقنية (AI)، يتيحان للمكفوفين قراءة الرسائل والتنبيهات، وحتى الرسومات البيانية عبر اللمس.

7- تطبيق Be My Eyes نظام يربط المكفوفين بمتطوعين أو بذكاء اصطناعي، مدعوم من OpenAI (يعمل كمساعد بصري). يمكنه وصف ما يظهر في الكاميرا فورا (منتج، شارع، نص، الخ).

- رابعا: تقنيات متقدمة متعددة الاستخدامات

8- Google Lookout أداة رقمية من غوغل تستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرّف على النصوص، الأشياء، العملة، الأشخاص عبر الكاميرا، وتوفر قراءة صوتية فورية، مخصصة للمكفوفين وضعاف البصر.

9- Voiceitt برنامج للتعرف على الأصوات غير النمطية للأشخاص الذين يعانون من صعوبات في النطق، ويحوّلها إلى كلام مفهوم باستخدام الذكاء الاصطناعي، يُساعد في التفاعل الاجتماعي دون وسيط.

ويشدد الباحث في الختام على ان "معظم هذه التقنيات متوافرة عالميا، ولكنها غير مدعومة رسميا في الدول العربية، لا من حيث الترجمة ولا من حيث التوزيع. ويدعم عدد قليل من هذه الأجهزة اللغة العربية حتى الآن (مثل Be My Eyes المدعوم جزئيا)، وبالتالي لا توجد منصات عربية تعمل على تطوير بدائل محلّية منخفضة الكلفة".

الأكثر قراءة

مفاوضات بين أميركا وحزب الله؟